خاص لـ هات بوست:
أشاهدُ من فترة لأخرى -و بشكل متكرر و متواتر- مقالات يجري تداولها و تبادلها فيما بيننا تجترُّ أحداثاً تاريخية مؤلمة.ثم يتواصلُ الاجترار .. و تتعمق الآلام!
و نجد أولئك الكتّاب و متداولي المقالات و كأنهم يتبارون في تجديد إذكاء نيران الماضي في مختلف الجهات (و ليس فقط مع دول الغرب)..
و لعل من المفضّل أن تتحاشى تناقل ما يحمل على الكراهية و يعمل على تجديد و تسويق العنفوان. فتجدنا نتداول أن هؤلاء قتلوا، و أولاء أسروا، و أولئك احرقوا، و آخرون نصّروا.. و كذلك تجد من يوغل في اخبار و صحائف متقادمة عن اعتداءات اؤلاء و هؤلاء و أولئك عبر مئات و آلاف السنين (علينا!)
و مع موفور النواح و المظلومية من جهة، ففي نفس النفـَس و الشهقة ترانا نسرد و نتباهى يعامر الغزوات و غامر السلطنة بمختلف الجهات؛ بأن هارون الرشيد -مثلاً- خاطب ملك الروم (‘نقفور’) بأقسى و أغلظ العبارات؛ و نقرأ حتى بشعر أحمد شوقي تعبيرات متعالية في الكِبـْر: (‘…أخذنا إمرة الأرض اغتصابا’ (!)؛ ثم تجدنا نزهوا بهذا و نطرب لذاك. فكيف لا نتوقع ردود الأفعال عند الآخرين!؟
ثم أنه ليس من جدوى وراء تناقل خطابات الكراهية؛ بل نجد أنها ستتوالي في دوّامة من البغضاء و العداوة.. في دوائر (متداولة)، و في حلقات مُفرَغة!
من أمثلة ذلك ما وردني في مقال هائجٌ مِهياج ضد دولتين في الغرب تعدّدُ احداثاً و يثير ضغائنَ و تنكأ جروحاً تاريخية موغلة في القِدم، قبل أكثر من ٥٠٠ سنة!
فكانت رسالةْ تـُعدِّد اعمالاً نـُسبت الى المستكشفـَين ماجـِلاّن و دا گاما: Magellan و da Gama.
و بدايةً، يخلط ذلك الكاتب في سرده عن المستكشِفـَين (ماجلاّن و دا گاما)، فيمزجُ الاسمين كأنهما شخصٌ واحد، رغم أن ماجّلان Magellan شيء و له اسم شخصي فِردناند Ferdinand؛ و أن دا گاما da Gama شيء غيره تماماً، و اسمه الشخصي (ڤاسكو): Vasco؛ (ثم أن الأوّل كان مجاله في أقصى الشرق، و الآخر كان بأقصى الغرب.
فمع أن المستكشفَين كان أصلهما من الپُرتگال؛ إلاّ أن ماجلّان عمل للأسپان بجهة المحيط الأطلسي، و في طرفه الجنوبي عند التلاقي مع المحيط الهادئ -فكان أول من ظوّق الكرة الارضية circumnavigation؛ قبل توجـّهه الى اطراف الفِلپين، حيث اغتيل على يد المحارب الوطني (لاپو-لاپو)، ١٥٢١م؛ (تأخذ الحميةُ ذلك الكاتبَ فيـُصرّ على أنه مسلم!)
ثم قام بسرد انواع من اعمال عنف للأسپان نـُسـِبت إلى ماجلاّن في منطقة الفلپين.. و مخلوطة مع اعمال على المحيط الهندي بقيادة ڤاسكو دا گاما، Vasco da Gama (و هو الذي كان قد بدأ من المحيط الأطلسي و اتجه للجنوب لاستكشاف أقاصي افريقيا عند رأس (الرجاء الصالح) Cape of GOOD HOPE، ثم نحو الهند؛ فبلغ كيرالا/المليبار، على الساحل الربي من الهند، و مات في كوچن، في سنة ١٥٢٤م.) لكن الكاتب ظل يعدّد اعمال عنفٍ ضد المسلمين و لكن في جمع مرتبك بين اسميْ المستكشفـَين (ماجلّان دا گاما)؛ هكذا و كأنهما شخصٌ واحد!
فإنّ نشر و تكرار و تبادل تلك الأحداث و المآسي ليس له من داعٍ؛ و لا لزوم لإعادة إحياء القديم من العداوات. (خاصة و ان علاقاتنا مع كل من مملكة أسپانيا و جمهورية الپرتگال مضت لعقود من السنين، و تمضي حالياً، على احسن ما يرام!)
و الخطر الآخر هنا هو الاحتمال الكبير لبعث موجات جديدة من التفجيريين.. في خِضمّ إعادة تخلـّق تصوّرٍ من الثأر و الانتقام!!
ثم قد تتوالى في المقابل جولات متبادلة من الحلقات المفرغة، فيبرز أمثالُ مجرم نيوزيلاندا في مذبحة مسجديْ كرايست چـِرچ Christ Church؛ ثم ما يقابلها من اعمال (الانتحاريين) في اعمال بأورپا، أو في شبه القارة الهندية، و غيرها.
و بذا قد تمضي اعمال تفجيرية ثم تقابلها افعال انتحارية، و بالعكس. و بذا تتوالى و تستمر دوّامةٌ بعد أخرى في حلقات مفرغة و مآسٍ دامية مُفزعة، مُجمـَّعة و متفرعة.. جيلاً بعد جيل!
فيحسن التقليل من نقل و تناقل المُهيّج من مسردات الأحداث؛ و الحرص -في المقابل- على التركيز على الاعمال الإغاثية و العلاجية و الترميمية و إعادة التأهيل والبناء! مثل: تنشئة الاعتدال؛ و البعد عن التلـهُبـِـيـّة و الضجيج الملتهب: Hype; hyperactivity
و يحسن التدريب، في المقابل، على التوجه نحو الصيانة و البناء؛ و التركيز على الوسائل السلمية و ‘النفعية’ بين البشر، و التي تقصد التلاقي و الصفح، و السمو بعيداً عن الهياج و البغضاء أو (الكراهية الكأداء: Hyper-Hate)!
بقلم : د.إبراهيم عباس نــَتــّو
*عميد سابق بجامعةالبترول