عندما نسمع عن اختفاء عشرة آلاف طفل عراقي وسوري في أوروبا، هؤلاء الصغار الذين شرَّدتهم الحرب وطاردتهم عدوانية «داعش»، ونكَّلت بهم أنظمة جائرة فاجرة، لم تسع إلا إلى ترسيخ ثوابتها الاستبدادية على حساب جيل بأكمله.. السؤال الذي يطرح نفسه.. أين يذهب هؤلاء؟ تقارير الأمم المتحدة تقول إن النسبة العالية من هؤلاء يختفون في ظروف غامضة، ولكن هذه التقارير ترجح نفسها أنه ليس من المستغرب أن تلتقط هؤلاء الصغار عصابات التجارة بأعضاء البشر، وليس بعيداً أن تكون أذرع «داعش» قد أسقطت هؤلاء الصغار في شراكها، لاستخدامهم لأغراض عدوانية، ومن المعروف أن الكثير من أصحاب الأحزمة الناسفة في سوريا والعراق وغيرها من الأطفال والمراهقين.
إذن.. ماذا فعل المجتمع الدولي إزاء كارثة كهذه قد تهز العالم، بداية من أوروبا نفسها وانتهاء بدول الشرق الأوسط؟.. ألا يكفينا تقارير البكائيات، ونشر الأخبار المفجعة فحسب، من دون تحريك ساكن لإنقاذ أناس كان من الأجدر أن يكونوا في صفوف مدرسية يتعلمون كيف يحبون وكيف ينتمون إلى الإنسانية، وكيف يكونون شركاء في المستقبل، لصناعة سلام الكون وأمنه؟.. وعندما يتفرج العالم على معضلة كونية كهذه، فإن ذلك ينذر بمستقبل ينتج أنياباً ومخالب وسط غابة متوحشة، ترتجف لها حتى الأشجار.
ما يحدث لأطفال سوريا والعراق سبة في جبين العالم، ووصمة عار مخزية، لا يمكن أن توضع تحت أي ذريعة من الذرائع، فالأخطاء التاريخية التي ارتكبت بحق هؤلاء لا يستثنى منها أحد، فالذين هجّروا والذين فتحوا الملاجئ العشوائية، فالجميع أوقعوا من لا حول له ولا قوة، تحت سطوة وبطش أعداء الإنسانية، وصاروا الآن يعدون التقارير ويحذرون وينذرون، ولا أدري لمن هذه الإشارات الحمراء، أهي للنظامين السوري والعراقي، أم للمعارضات أم لداعش وأخواتها، فإذا كان الأمر كذلك فأعتقد أن هذه التقارير ستذهب جفاء كالزبد، لأن من أرخص الوطن لن يرفع من شأن مواطن، ومن باع الضمير، لن يرتجف قلبه لمجرد سماع هذه النداءات المحنوقة، والمبحوحة، والمجروحة، ما ينبغي فعله أن على العالم أجمع أن يلتفت إلى نقطة مهمة، وجديرة بالقرارات المتأنية، وهو أن ما يحصل لهؤلاء الأطفال، سيكون في المستقبل القريب وبالاً على العالم نفسه، لأن إقصاء اللاجئين الأطفال من ضمير العالم، واعتبارهم نفاية من نفايات التاريخ العربي، سوف يرتد بشحنات عدوانية مدمرة، وسوف تكون الرصاصات طائشة، ولن يسلم متحضر ولا متخلف.. العالم معني بما يجري في المنطقة، كما أنه يمتلك زمام المبادرات في السلم والحرب، عليه واجب إنساني أن يقف ضد هذه الموجات العشوائية، وضد من يترصدون الأبرياء لاستخدامهم في نشر الجحيم في العالم.. نريد هبَّة كونية لوقف النزيف البشري، وتخليص البشرية من الشر.
المصدر: الإتحاد