كاتب قطري متخصص في حقوق الإنسان والحوار الحضاري والفكر السياسي
لا أَجِد أي مبرر ديني أو أخلاقي أو إنساني أو حتى عقلاني لتمجيد مؤسس “الجماعة الإسلامية” بمصر، والزعيم الروحي لها الدكتور عمر عبدالرحمن، الذي توفي منذ أسبوع داخل محبسه بالولايات المتحدة، إثر تدهور حالته الصحية، وكان قد اعتقل في الولايات المتحدة، وحكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة التآمر، في قضية تفجيرات نيويورك سنة 1993، وشملت التخطيط لسلسلة من الهجمات، منها: قنابل مزروعة في أنفاق وجسور تربط نيويورك بولاية نيوجرسي المجاورة، لم يتمكن من تنفيذها، لكنه نجح في عملية إحداث تفجيرات في المرآب الموجود أسفل مركز التجارة العالمي، باستخدام شاحنة مفخخة بـ600 كغم، بهدف تدمير أساسات المبنى وانهياره.
وتسبب الانفجار المروع في إحداث حفرة ضخمة بلغ عمقها نحو 30 مترا من خلال تدمير أربعة مستويات من الخرسانة، لكن المبنى صمد، ولم ينهر، وتسبب في قتل 7 أميركيين، وإصابة ألف شخص بجروح متفاوتة، وخسائر بلغت ملايين الدولارات، وعُدّ هذا الهجوم بأنه “أول هجوم إرهابي إسلامي على مركز تجاري عالمي”، وذلك ظهر يوم الجمعة 26 فبراير 1993، وتم القبض على الجناة الذين اعترفوا، وبعد محاكمة امتدت 9 أشهر، فأدين الشيخ الضرير، كما كان يسميه الإعلام الأميركي، في 48 تهمة من أصل 50 تهمة، وحكم عليه بالسجن المؤبد 1995.
ماذا عن نشاطه الدعوي في نيويورك قبل دخوله السجن؟
كان في فترة إقامته في حي بروكلين بنيويورك، يعد الأب الروحي لعدد كبير من المهاجرين، بعضهم من المتطرفين، يتنقل بين مساجدها ويتخذ من منابرها، منابر لخطبه التحريضية ضد الحكومة الأميركية، والحكومة المصرية، وبعض الأنظمة العربية، وارتبط اسمه بقتل الحاخام المتشدد مائير كاهانا في نيويورك 1990… هذا عن إقامته في أميركا، فماذا عن سجله الطويل في مصر، قبل رحيله إلى أميركا؟
تخرج الشيخ عمر عبدالرحمن من كلية أصول الدين بالأزهر الشريف، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف 1969، وحصل على الشهادة العالمية (الدكتوراه) في موضوع “موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة” بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف 1973، وعين بكلية البنات بأسيوط 4 سنوات، ثم أُعير إلى كلية البنات بالرياض حتى 1980، وعاد إلى مصر، ليعتقل ضمن قرارات التحفظ في سبتمبر1981، ليهرب، ويقبض عليه بعد شهر، وتتم محاكمته في قضية اغتيال السادات أمام المحكمة العسكرية، ليحصل على البراءة ويخرج من المعتقل 1984.
تأثر الشيخ عمر بأفكار سيد قطب، منذ أن كان طالباً في الأزهر 1963، وبخاصة فيما يتعلق بتكفير الحكام العرب والمسلمين لأنهم لا يحكمون بالشريعة، ويتحاكمون بالأنظمة الوضعية (حكم الطاغوت) ولأنهم تركوا فريضة الجهاد، وكانت له جهود كبيرة في تأسيس (الجماعة الإسلامية) الداعية إلى الجهاد (الفريضة الغائبة) وإقامة (دولة الخلافة) على منهج النبوة! وليتها اكتفت بالدعوة لأفكارها الضالة، لكنها مارست العنف ضد الدولة المصرية لسنوات طويلة، وراح ضحية ذلك، المئات من الشرطة والمدنيين والسياح، وعاش متنقلاً بين محافظات مصر، يدعو للخروج على الحاكم والجهاد ويصدر فتاوى تكفيرية تحريضية، كانت وراء مقتل مفكرين وشخصيات مناهضة لفكر الجماعة الإسلامية، على رأسهم فرج فودة.
أن تنعى الجماعة، زعيمها الروحي، وتسْبغ عليه أوصافاً تمجيدية، وتعده مغفوراً له، ومجاهداً قضى نحبه صابراً محتسباً، وتصفه بـ”فقيد العمل الإسلامي” هذا أمر مفهوم، ويتسق مع أيديولوجية الجماعة، القائمة على تمجيد العنف والتحريض على التكفير، لكن ما ليس مبرراً ولا مقبولاً أن ينساق رموز ودعاة وشخصيات دينية (من غير الجماعة)، وراء المرثية التمجيدية، وتصويره: شهيداً مظلوماً ومجاهداً محتسباً، وضحية بريئة!
الشيخ عمر عبدالرحمن، اليوم، بين يدي ربه عز وجل، بما له وما عليه، وهو الحكم العدل جل وعلا، ولا يظلم عنده أحد، ولكن كيف يمكن تبرير موقف تلك الشخصيات الممجدة شرعاً أو منطقاً أو أخلاقاً؟! وكيف تتتسق مواقفها، في إدانة الأعمال الإرهابية، من ناحية، مع تمجيدها رموزاً مصنفة في قائمة الإرهاب، من جهة أخرى؟!
المصدر: الجريدة