اليوم، يقف ضيوف الرحمن، حجاج بيته العتيق، على صعيد عرفات الطاهر، يحيون الركن الأعظم من الفريضة، وقد جاءوا من كل فج عميق، في مظهر عظيم من مظاهر وحدة المسلمين، لا فرق بين غني وفقير، أو أبيض وأسود، أو عربي وأعجمي، مشاهد عظيمة جليلة تجسد عظمة الدين الذي جمعهم على الوحدانية وحب الخير والسلام.
في تلك البقاع الطاهرة، حيث ألقى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم، خطبة الوداع، وحدد للمسلمين دستورهم في الحياة، ونزل الوحي الإلهي بالآية الكريمة مؤكداً تمام الرسالة العظيمة، في قوله تعالى «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً».
في الخِطبَة الشاملة الجامعة، حدد نبينا المصطفى، صلى الله عليه وسلم، قواعد التعامل بين المسلمين، فقال: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وكحرمة بلدكم هذا». «أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمُنّ أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ مسلم من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس، فلا تظلمُنّ أنفسكم، ألا هل بلغت».
وأكد كذلك – عليه أفضل الصلاة والسلام- على صون الأمانة وأدائها، فقال: «وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها».
ولعل أعظم أمانة يستحضرها المرء أمانة الأوطان التي تجرأ على خيانتها خوارج العصر من المتطرفين والإرهابيين الذين شقوا عصا الطاعة على ولاة الأمر، وبايعوا مرشد الضلالة وأمراء الجماعات الإرهابية الذين عاثوا فساداً في الأرض، وهم يسفكون دماء الأبرياء ويروعون الآمنين والمستأمنين، وينشرون الدمار والخراب أينما حلوا.
نحن نتابع موسم حج العام، تبرز التسهيلات الضخمة التي حشدتها حكومة المملكة العربية السعودية الشقيقة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان آل سعود، لراحة حجاج بيت الله الحرام، جهود عظيمة جليلة يشهد بها القاصي والداني، ولا يجحدها إلا ناكرو الجميل، ومن في قلوبهم مرض، ممن يريدون الخروج بالفريضة عن جوهرها ورسالتها العظيمة، وتسييسها لغاياتهم الدنيئة.
وفي يوم مهيب عظيم كيوم عرفة، نسأل الله أن يحفظ قادتنا وبلادنا وسائر بلدان المسلمين والعالم أجمعين، ويديم علينا الأمن والأمان والسلام والاستقرار.
المصدر: الاتحاد