باحث إماراتي
لم يكن مستغربا ردود الأفعال المستهجنة من قبل الكثير من المسؤولين والمحللين العرب تجاه تصريحات علي يونسي، مساعد الرئيس الإيراني حسن روحاني لشؤون القوميات والأقليات الدينية، ووزير الاستخبارات السابق في حكومة الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، الذي وصف بغداد بعاصمة إيران حاليا كما كانت في السابق.
ولعل لسان حال القارئ يقول إذا كان هذا الأمر ليس بمستغرب وهو كذلك بالفعل، فما هو الأمر الآخر الذي من شأننا اعتباره أمرا غريبا في هذه المسألة؟
نسير في السطور القادمة لنستشف بُعدا آخر متمثلا في تتبع الموقف الإيراني ومسؤوليه تجاه تلك التصريحات، وما هي أبعاد ذلك الموقف وحقيقته.
بادئ ذي بدئ، نستعرض تصريح علي يونسي الذي جاء كالتالي: «إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حاليا»، وفي موضوع متصل قال «إن إيران تنوي تأسيس (اتحاد) ولا نقصد من الاتحاد أن نزيل الحدود، ولكن كل البلاد المجاورة للهضبة الإيرانية، يجب أن تقترب من بعضها البعض.. لا أقصد أننا نريد أن نفتح العالم مرة أخرى، لكننا يجب أن نستعيد مكانتنا ووعينا التاريخي، أي أن نفكر عالميا وأن نعمل إيرانيا وقوميا».
وأدعو القارئ هنا إلى أن يستذكر معي لاحقا عبارة «أن نعمل إيرانيا وقوميا» وما الرابط بين هذه العبارة وبين عنوان المقالة.
وما إن أطلق يونسي تصريحاته، حتى جاءت ردود فعل قوية من الداخل الإيراني معارضة لها، بل ومطالبة بمحاسبته. حيث تقدم 104 نواب يناشدون الرئيس روحاني عزل يونسي بسبب مواقفه غير الحكيمة والمهددة للأمن القومي الإيراني. وأكد روح الله حسينيان على ضرورة أن يعلن رئيس الجمهورية استنكاره لتصريحات يونسي، لقطع أي استغلال لها من قبل المناهضين للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
يستمر تفاعل الساحة الإيرانية المنتقدة بشدة لتصريحات يونسي التي تخالف المبادئ الإيرانية في التدخل في شؤون الدول الأخرى، حيث قال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، محمد صالح جوكار، إن لكل دولة استقلالها وسيادتها، والعراق أيضا له سيادة مستقلة، ولا بد من تجنب هكذا تصريحات، من شأنها أن تثير التوتر وتربك العلاقات بين البلدين. فإيران كما يرى علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني لا تريد تحقيق النفوذ وليس لديها نزعة إقليمية، بل إن سياسة طهران الخارجية كما ترى المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية تقوم دوما على احترام السيادة والوحدة الوطنية والاستقرار والأمن لجميع البلدان لا سيما الجوار.
ما تقدم يعتبر غيضا من فيض لذلك التفاعل، حيث لا يُعد مستغربا كونه أثار معه تصريحات لاحقة، بل يكمن الاستغراب في انتقاد تصريحات يونسي وعدم تأييدها.
وكي لا يؤخذ هذا الأمر على أنه تحامل يمكن النظر إلى الكثير من الشواهد التي تسير في هذا الاتجاه. فجميعنا يتذكر تصريحات ناطق نوري الرئيس الأسبق للبرلمان الإيراني ورئيس مكتب التفتيش في مكتب المرشد، حين اعتبر أن مملكة البحرين تعتبر المحافظة الرابعة عشرة لإيران، وهو ما لاقى استهجانا خارجيا كما تلاقيه تصريحات يونسي اليوم.
ولكن ما الذي حدث آنذاك؟
لاحظنا وجود تصريحات مؤيدة لما جاء به ناطق نوري، ولا سيما من رئيس تحرير صحيفة «كيهان» المقرب من المرشد. كما لم يبخل أعضاء البرلمان الإيراني في تأييد ما ذهب له نوري على عكس ما نراه الآن من مواقف مناوئة لتصريحات يونسي. وبعد فترة جاء موقف وزارة الخارجية الإيراني ليؤكد على استقلال مملكة البحرين واحترام سيادتها. ولكننا نرى من جديد استمرار التصريحات من المسؤولين الإيراني تجاه البحرين، التي لا تتسق مع ما ذهب إليه المسؤولون الإيرانيون من احترام سيادة الدول واستقلالها.
وأما في الشأن السوري واللبناني وكذلك اليمني، فهناك التصريحات التي تسير على نمط ما ذهب له يونسي. فمن منا لا يتذكر ما قاله النائب الإيراني علي رضا زاكاني بعد أن سيطر الحوثيون بانقلابهم على العاصمة اليمنية صنعاء، من أن إيران باتت تسيطر على أربع عواصم عربية. كما يقول رئيس أركان الجيش الإيراني فيروز آبادي في معرض حديثه عن لبنان وسوريا «إننا نحتاج إلى هذه الأماكن لكي يتسنى لنا محاربة أعدائنا البعيدين عن حدودنا».
ولعلنا نتساءل هنا أين هذه المواقف المنتقدة من قبل المسؤولين الإيرانيين من ما تقدم؟ أليس تصريح المستشار العسكري للمرشد والقائد السابق للحرس الثوري رحيم صفوي حين قال إن حدودنا تصل إلى البحر المتوسط يتماهى مع تصريح يونسي؟!
لعلنا نصل إلى نتيجة مفادها أن العقل الباطن الإيراني يظل على الدوام مستدعيا للتاريخ الذي يفرز بدوره هذه النظرة تجاه المنطقة سواء من قبل القوميين أو من تقوم رؤيتهم للدور الإيراني في المنطقة من منطلق الآيديولوجية الإسلامية ولكنها في نهاية المطاف تُخفي معها البعد القومي لهذه الشخصية. وهنا نستذكر مع القارئ عبارة يونسي «أن نعمل إيرانيا وقوميا». فأولئك الذين اتهموه بأنه لا يمثل الحكومة وأنه «رحيم مشائي جديد» وهو صهر الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد الذي طالب بالمدرسة الإيرانية في مقابل المدرسة الإسلامية، يجب أن نستذكر معهم أن يونسي قبل أن يكون مستشارا لروحاني، فقد كان وزيرا للاستخبارات فترة خاتمي، وهو منصب لا يصله إلا رجل دين ويتم اختياره من قبل المرشد نفسه.
كما يمكن القول إن ردود الفعل القوية تجاه يونسي تأتي من منطلق المصلحة التي تتضح من خلال العلاقات بين كل من إيران والعراق والموقف الإيراني من هذه الدولة وسعيه إلى تحقيق مزيد من النفوذ فيها وتوظيف محاربة الإرهاب لتحقيق هذا المبتغى.
هل نحن متحاملون؟
فليجبنا من يرى ذلك عن هذا السؤال؟ أليس ما جاء به يونسي يتماهى مع ما جاء به سابقوه؟ إذا كان الجواب نعم (وليس هناك مفر من كلمة نعم) إذن فلماذا يأتي الموقف الإيراني مغايرا بين هذه الحالة وسابقاتها؟
المصدر: الشرق الأوسط
http://aawsat.com/home/article/318121