رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
مؤلم جداً أن تخسر الدولة 13 مليار درهم سنوياً، والأكثر إيلاماً من خسارة هذا الرقم، هو معرفة تفاصيل هذه الخسارة، فهذه المليارات هي ترجمة نقدية لقيمة إهدار المواد الغذائية في الإمارات سنوياً، وفقاً لآخر التقديرات!
هذه المليارات المهدرة، هي نتيجة طبيعية للشراء غير المخطط له من الجمعيات والأسواق، ونتيجة طبيعية لحجم الاستهلاك المبالغ فيه، وهي نتيجة طبيعية أيضاً لحجم الطعام الذي تعده كل أسرة يومياً، والذي يفوق حاجتها في الغالب، وتالياً يتحول الغذاء تلقائياً من وجبات على المائدة إلى نفايات طعام، وهذا الطعام المهدر والملقى في النفايات نحن جميعاً محاسبون عليه، ونحن جميعاً نتحمل مسؤولية تحويله إلى نفايات، فمتى نشعر بعظم هذا التصرف ونستشعر الذنب من هذا الهدر؟ ومتى سنصل إلى درجة من الوعي تجعلنا نشتري ما نحتاج إليه أولاً، ونعد من الطعام ما يناسب احتياجنا ثانياً، ومتى سنؤمن إيماناً تاماً بأهمية إيقاف هذا الهدر لأسباب دينية واجتماعية واقتصادية كثيرة جداً!
الإمارات رسمياً ودولياً ملتزمة بالوفاء بالهدف العالمي، المتمثل في خفض عام بمعدل الهدر والخسائر الغذائية والنفايات بنسبة 50%، بحلول عام 2030، وذلك بموجب أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بشأن الاستهلاك والإنتاج المستدامين، ولكن كيف يمكن للحكومة والجهات الرسمية المعنية الوصول إلى هذا الهدف، مع وجود ثقافة استهلاكية عامة مسيطرة على المجتمع، ووجود عادات غذائية اجتماعية سيئة للغاية، ووجود فكر مترسخ، من نوع «يزيد ولا ينقص»، يساعد على هدر الطعام، وينشر الإسراف المفرط في استخداماته، ويساعد بشكل مباشر على إرساله سريعاً وبكميات هائلة إلى النفايات، ولو تمعنا بنظرة تأمل، لما يحدث في مجالسنا وبيوتنا هذه الأيام، التي يفترض أنها أيام خير وعبادة وتقرب إلى الله، لشاهدنا العجب، وأدركنا أن هدر الطعام في شهر رمضان وحده قد يعادل الهدر في ستة أو سبعة أشهر من أيام السنة العادية، إنها ثقافة يصعب تغييرها للأسف الشديد!
هي مسؤولية كل رب أسرة، وكل امرأة فيها، والأمر لا يمكن اقتصاره على الحكومة والجهات الرسمية، فدور هذه الجهات لن يتعدى مجال التوعية، في حين أن الممارسة الفعلية تبقى في يد كل أسرة، وكل أب وكل أم، فهم من يمتلكون قرار الشراء، وهم من يملكون قرار تخفيض الاستهلاك والهدر، وهم من يملكون قرار إعداد الطعام على قدر الحاجة، كما أنهم بسلوكياتهم يستطيعون زرع ثقافة الحفاظ على النعمة لدى أطفالهم، أو يكرسون ثقافة الهدر، وإذا لم يقتنع أرباب الأسر بخطورة هذا الهدر وأهمية تخفيضه، فإن أي قرارات حكومية قد لا تكون ذات جدوى مع تفشي ثقافة الاستهلاك والإسراف!
لا علاقة بين الكرم والإسراف، نحتاج إلى أن نسعى جميعاً لفك الارتباط بين هذين المفهومين، فالكرم قيمة راقية إيجابية لا تتناسب أبداً مع الإسراف بمعناه السلبي، وإعداد الطعام بشكل مبالغ فيه للغاية، خصوصاً في مناسباتنا الاجتماعية المختلفة، عادة سيئة لا تعكس قيمة الكرم الإيجابية بقدر ما تعكس مفاهيم سلبية كثيرة، ولعل أول كلمة تخرج من الأفواه عند مشاهدة كم الطعام المبالغ فيه بأي مناسبة اجتماعية، هي «حرام والله»، وهذا اعتراف صريح من المجتمع بالخطأ، ولكن مع ذلك فلا يصاحب ذلك الاعتراف أي شعور بالذنب، لأن الولائم تتكرر وبشكل متشابه، والهدر مستمر، والمليارات تتبعثر بشكل سنوي!
المصدر: الإمارات اليوم