رئيس تحرير صحيفة الرؤية
الورقة الأخيرة التي كان يلعب بها «الإخوان» ويراهنون عليها دائماً للدعاية لأنفسهم، ولترويج أنهم أفضل في الحكم من غيرهم، سقطت، فنموذج حكم «الإخوان» في تركيا الذي يترنح، أسقط ورقة النزاهة وعدم التورط في الفساد التي كانوا يدعون أنهم بعيدون عنها، فبعد فضائح الفساد التي طالت وزراء في حكومة أردوغان، لم يعد من الممكن أن تدعي جماعة «الإخوان» نظافة اليد، خصوصاً بعد أن اعترف أردوغان بوجود فساد في أركان حكومته وبين المقربين منه ومن حزبه، ولم يكتفِ أردوغان بذلك، بل مارس ما يمارسه الآخرون ممن ينتقدهم في حكمهم عندما طالب القضاء والشرطة بالتستر على المشبوهين، وعدم كشف أسمائهم، الأمر الذي رفضته المحكمة! لم يمر على «الإخوان» عام أصعب من 2013، ولا أعتقد أن هناك جماعة فرحة بانقضاء هذا العام وسعيدة بقدوم العام الجديد، قدر فرحة «الإخوان» بذلك، فالخسائر التي تكبدوها في هذا العام لم تكن تخطر على بال أحد، وقد أبى عام 2013 أن يرحل إلا ويكمل قصة «الإخوان»، فبعد الانكشاف المريع لـ«الإخوان» في مصر وفي تونس، وفشلهم المدوي في الحكم وفي إدارة شؤون البلاد، ومحاولتهم الاستئثار بالسلطة، ها هي صورة أخرى تتهشم أمام الجميع في تركيا. في تقرير لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، تحت عنوان «وقائع التحريض على العنف وعلاقتها بأحداث القتل والتعذيب على أنصار مرسي» من 29 يونيو وحتى الأول من أغسطس، أكد التقرير أن الحشد من قبل مؤيدي مرسي كان مليئاً بتصريحات تتضمن التحريض على العنف، مشيراً إلى أن العديد من مؤيدي «الإخوان» وقادتهم، هددوا بإدخال البلاد إلى نفق مجهول، وتنفيذ مجموعة من التفجيرات وإراقة الدماء، إذا تم المساس بالشرعية وبالرئيس محمد مرسي. «حجازي» أحد القياديين في «رابعة»، قال بعد عزل مرسي «من يُقتل فهو شهيد بإذن الله»، موضحاً أن التظاهرات ضد الذين وصفهم بالعلمانيين جهاد لاسترجاع أمة محمد ونشر الإسلام، ودعا إلى نشر الجهاد في جميع ميادين مصر!.. كبيرهم ومرشدهم محمد بديع، قال العجب عندما عزل السيسي بقرار وتفويض شعبي محمد مرسي من الرئاسة: «أقسم بالله غير حانث أن ما فعله السيسي في مصر يفوق جرماً ما لو قد حمل معولاً وهدم به الكعبة المشرفة حجراً حجراً»! هذه المواقف من «الإخوان» وتلون مواقفهم وازدواجية خطابهم الذي أصبح واضحاً للجميع، وتناقض مواقفهم وأقوالهم عن أفعالهم، فهم يعلنون عن أمر ويمارسون أموراً أخرى، وتُفرّخ جماعتهم مجموعات وجمعيات وأندية، وتدّعي أن لا علاقة لها بها وفجأة تعترف بأنها جزء منها، وتدعي أنها لن تفعل ثم تفعل. تخاطب الغرب بلغة وتخاطب جماهيرها بلغة أخرى، لغة الليل عندها تختلف عن لغة النهار! وصديق اليوم ليس بالضرورة أنه صديق الغد.. كل ذلك لا يجعل عدم استنكار الشارع العربي لتصنيف «الإخوان» جماعة إرهابية أمراً مستغرباً، فقد كشفتهم الجماهير على حقيقتهم. وكل ذلك أدى إلى قرار الحكومة المصرية اعتبار «الإخوان» جماعة إرهابية، وجاء ذلك بالتحديد بعد العملية الإرهابية التي شهدتها مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية المصرية، ولم تكن هذه أول عملية إرهابية يتم تنفيذها منذ سقوط حكم «الإخوان» في 30 يونيو الماضي، وإنما كانت الأكبر والأخطر، ويبدو أن تهديدات «الإخوان» لم تزل سارية المفعول بعد أن طلب قادتهم من أتباعهم الاستشهاد، وبعد إعلانهم أن العمليات لن تتوقف حتى يتم الإفراج عن رئيسهم المعزول محمد مرسي. ومن الواضح أن «الإخوان» لا يبالغون في مثل هذه التهديدات، بل ينفذونها بشكل دقيق، ما يجعل الاعتقاد بأنهم جماعة سلمية أمر مشكوك فيه، وتورطهم في بعض العمليات المشابهة في مناطق مختلفة في العالم لا يبدو مستبعداً، فتنفيذ العمليات بهذه الدقة والتنظيم لا يمكن أن يكون مجرد ردة فعل على عزل رئيس وصل إلى كرسي الحكم بالصدفة! وإنما هو أقل ما يمكن أن يُقال عنه إنه استمرار لنهج وخبرة تمتد على مدى سنوات طويلة. لذا كان من المهم أن يتم وضع حد لتلك التجاوزات التي يقوم بها «الإخوان»، والفوضى التي يريدون نشرها في مصر وفي المنطقة.
وتصنيف «الإخوان» بأنها جماعة إرهابية يدق جرس الإنذار بالنسبة لأفراد تلك الجماعة والمتعاطفين معها، كي ينتبهوا ويدركوا مع أي مجموعة يتعاملون وعن أي مجموعة يدافعون، وفي المقابل يدق ناقوس الخطر للدول الأخرى التي تؤوي أفراداً من جماعة «الإخوان»، فوجود أفراد يحملون الفكر نفسه سيكون خطيراً على جميع الدول، وفي دول الخليج التي آوت «الإخوان» منذ عشرات السنين، ووفرت لهم المأوى عندما كانوا مطاردين، يجب أخذ الحذر منهم، خصوصاً بعد أن كشفت أحداث «الربيع العربي» نواياهم وأفعالهم غير الوطنية تجاه هذه الدول، وكيف أنهم كانوا مستعدين للانقلاب على الدول التي آوتهم وعض اليد التي ساعدتهم. لقد أثبت «الإخوان» أنهم ناكرون للجميل لا انتماء لهم، ولا ولاء ولا وفاء ولا كلمة، يبيعون صديقهم من أجل مصلحة. وعندما يتم إثبات أن «الإخوان» إرهابيون في مصر، وأنهم مارسوا الإرهاب ونشروه، فهذا يعني أن هذه الجماعة بالضرورة إرهابية في أي مكان توجد فيه، وبالضرورة أن كل من يتبعها ويؤمن بأفكارها ومبادئها مهيأ أن يكون إرهابياً، فالفكر واحد لا يتجزأ، وإنْ اختلف مكان وجوده وانتشاره.
لقد كان عاماً ثقيلاً ومؤلماً للمنطقة بأسرها. رحل بكل ما فيه.. وبعد أن كان 2013 عاماً انكشف فيه “الإخوان” وسقطت أقنعتهم، نتمنى أن يكون 2014 عاماً سعيداً وموفقاً للجميع… عاماً يعود فيه السلام إلى المنطقة.. عاماً يرجع فيه المغيبون إلى صوابهم.. عاماً يكون فيه للأوطان مكان كافٍ في القلب.. عاماً تكون فيه الكلمة العليا للعقل والضمير.
المصدر: صحيفة الاتحاد