كاتب و مدون سعودي
حالة “الاستقعاد” التي أصبحت السمة الغالبة على المجتمع، هي في الحقيقة نتيجة أزمة نفسية يعيشها الفرد في تعاطيه مع فكرة الأنا والمعرفة والحرية، فالمغرد “المستقعد” يفضل ألا يتكلم إلا لكي ينتقد رأي أحدهم فقط لأنه ملتح مثلا، أو فقط لكون مطلق الرأي امرأة، في حين نجد أن السائق في الطريق السريع يبدأ في مسابقة الريح عندما يرى أن أمامه سيارة تريد أن تتجاوز من أمامه رافضا السماح لها بالمرور وذلك في تجسيد لتحد سخيف يوهمك وكأن في ذلك حماية لرجولته وفحولته الاجتماعية.
“الاستقعاد” أو التربص أو التحدي العدائي هي مرادفات أصبح المدير يراها أسلوب إدارة ويراه الموظف دليل ضعف، كما هوالحال للطالب الذي يتحول من مشروع إنسان ناجح لفتى يكره الذهاب صباحا إلى المدرسة لأن معلمه المرتبك على ذاته يفضل أن يحط من قدر التلاميذ أكثر من حرصه على تعليمهم ما يفيدهم ويساعد على تطورهم وتنمية قدراتهم.
يقول المثل: (من راقب الناس مات هما)، وهو تماما الهم الذي استطاع أن يحول المجتمع من بيئة قابلة للتقدم إلى مجموعة بشر تغرق في بكائيات حالتها النفسية المتأزمة، فالجميع وفق المستقعدين لصوص ومهملون وانتهازيون، والقليل المتبقي من مجتمعه المتهالك كما يراهم مرتزقه يعيشون على عطايا المتنفذين، في حين يبقى هو الشريف الوحيد والخالي من أي عيب إنساني.
لا أعلم كيف يمكن للبعض أن يكون بهذه السلبية والعدائية ويطلب في ذات الوقت الإصلاح والتطوير، كيف يمكن لمن ركب موجة العداء أن يجد في ذاته مساحة للمصالحة مع الفكر الإيجابي، فالانتقاد والاتهام والتخوين والتشكيك والرفض الكامل لكل ما يطرح هو كل ما يفهمه عقل ذلك المستقعد الغارق في أوهام كماله.
كشفت لي تجارب الحياة أن هؤلاء الذين لا يرون في الغير ما يستحق أن يدعم ويبارك أو على الأقل أن يترك في شأنه هم الأشخاص الذين تنتهي بهم الحياة إلى حالة من البؤس واليأس وكره كل ما يحيط بهم، حتى تصل بهم الحالة ليكرهوا أنفسهم ويعتبروا حياتهم مؤامرة على ذواتهم.
يجب أن نحرر مجتمعنا من هؤلاء، فبناء الأوطان لا يأتي بمنطق التربص المريض بل بسواعد من يرى المستقبل مشروع تفاؤل وحكاية تستحق أن تتحول إلى واقع معاش.
المصدر: الوطن أون لاين