ترجمة:مكي معمري «ذي أتلانتك»
لقد تكبدنا السنة الماضية خسارة فادحة؛ إذ فقد الناس أحباءهم بسبب الوباء، بينما أصيب الكثير بالمرض، ومازال البعض يعاني، وتعطل الأطفال عن الدراسة لعام كامل، وفقد الملايين رواتب ثابتة، وخسر البعض أعمالهم الصغيرة التي بنوها لعقود. لقد حُرمنا جميعاً، تقريباً، العناق والزيارات والسفر وفرحة التجمع معاً في مطعم مفضل وغير ذلك الكثير.
ومع ذلك، فقد علمنا هذا العام الكثير أيضاً، وقد يبدو غريباً أن جائحة الفيروس التاجي قدمت أيضاً بعض النعم والبركات، وعلى الرغم من المعاناة المستمرة، يتعين الاعتراف بها. وفي الواقع فإن التعرف إليها يزيد من فرصة خروج مجتمعاتنا من هذه المحنة أكثر قدرة، وأكثر مرونة، وأكثر استعداداً للمستقبل. وفي ما يلي ثلاث طرق تغير فيها العالم للأفضل خلال هذا العام الفظيع.
1عرفنا الآن كيف «نُبرمِج» لقاحاتنا
ربما يكون التطور الذي سيكون له أكثر التداعيات عمقاً للأجيال المقبلة، هو التقدم المذهل في التقنيات الحيوية للحمض النووي الريبوزي المِرسال، وأهم من ذلك أننا حصلنا على لقاحات بسرعة كبيرة بعد أن كانت الفترة القياسية السابقة لتطوير اللقاحات أربع سنوات، وكان ذلك في الستينات من القرن الماضي.
وهذه المرة، طور الإنسان العديد من لقاحات «كوفيد-19» الجيدة في أقل من عام، مقارنة بالفيروس الارتجاعي المصاحب لفيروس نقص المناعة البشرية «الإيدز»، يصعب التحصين ضده، على سبيل المثال، ومازلنا لا نملك لقاحاً فعالاً له.
وكان «كوفيد-19» أكثر انتشاراً بين البشر، ودُفعت مليارات الدولارات من الأموال العامة في ظل إلحاح عالمي بضرورة دفع الأمور إلى الأمام. وأدت الجائحة أيضاً إلى تسريع الأمور، ونظراً لأن الوباء كان واسع الانتشار، فقد كان من السهل الحصول على نتائج من تجارب اللقاحات.
ولكن وسط كل هذا جاءت تطورات تاريخية، وتُعد تقنية الحمض النووي الريبوزي الجديدة، التي تعتمد عليها العديد من اللقاحات، لاسيما لقاحات «فايزر بيونتك» و«مودرنا»، إنجازاً علمياً وتقنياً تاريخياً. ونحن الآن نقوم بـ«برمجة» اللقاحات، وبفضل التقدم في العلوم والإنتاج الصناعي، يمكننا إنتاجها بكميات كبيرة، ومعرفة كيفية توصيلها إلى خلايانا في غضون أشهر، وكل هذا جديد.
لم يكن لدى «مودرنا» ولا «بيونتك» منتج واحد معتمد في السوق قبل عام 2020. وصممت كل من الشركتين لقاحها بشكل أساسي على جهاز كمبيوتر في يناير 2020، واستغرق بالنسبة لـ«بيونتك» وقتاً قصيراً، وكان لدى كلتا الشركتين لقاحات مرشحة مصممة قبل أربعة أسابيع على الأقل من الإعلان عن أول حالة وفاة مؤكدة لـ«كورونا» في الولايات المتحدة، وكانت «موديرنا» تنتج دفعات لقاح لاستخدامها في تجاربها، قبل أكثر من شهر من إعلان منظمة الصحة العالمية الجائحة. وفي عام 2021، تهدف الشركتان إلى إنتاج المليارات من جرعات اللقاح الفعالة بشكل مذهل.
2 تعلمنا كيفية استخدام بنيتنا التحتية الرقمية
الأمر يتعلق بالإنترنت والاتصال الرقمي واسع الانتشار، وتطبيقاتنا العديدة، ولعل آخر تطور كان «زوم»، وهي خدمة التواصل المرئي، التي استخدمت في كل مكان، وأصبحت مرادفة للعمل في زمن الوباء، والخدمة عمرها أقل من 10 سنوات، والشيء نفسه يقال عن الوصول إلى الإنترنت، الذي سمح لمليارات البشر ببث الترفيه في المنزل، والبقاء على اتصال مع أفراد الأسرة والزملاء. والاتصال بالإنترنت بعيد كل البعد عن الكمال أو التوزيع المتكافئ، لكنه أصبح أسرع وأكثر اتساعاً، خلال العقد الماضي، ولولا الشبكة العنكبوتية لكان الوباء أكثر بؤساً وكلفة. وأظهرت التكنولوجيا أيضاً كيف يمكننا جعل مجتمعاتنا تعمل بشكل أفضل في الأوقات العادية. ويتعين أن نضع في الاعتبار، على سبيل المثال، ظهور الخدمات الصحية عن بُعد أثناء الجائحة. وفي الصيف الماضي، بينما كنت بعيداً عن المنزل على بعد بضع ساعات، أصبت بآلام الرقبة المنهكة التي عانيتها منذ نحو خمس سنوات في رحلة مختلفة، وكان يمكن التعرف إليه على الفور: ألم حاد ومستمر في مكان التصاق رقبتي بكتفي اليسرى، وحتى حركة طفيفة كانت تشعرني كأن رماحاً صغيرة سامة تضرب تلك المنطقة. وفي المرة السابقة قيل لي إنه لا يمكن فعل أي شيء قبل أن أتمكن من رؤية طبيبي شخصياً بعد أيام عدة، وليس الأمر كذلك الآن، فقد تواصلت مع طبيبي على الفور من خلال بوابة المرضى الجديدة الالكترونية، والتي تحتوي على خيار دردشة الفيديو، الذي أصبح متاحاً بسبب الوباء.
لقد وصفت المشكلة وأظهرت نطاق حركتي المحدود، وانتهى الأمر بالطبيب يرسل وصفة طبية لدواء يؤخذ عن طريق الفم إلى صيدلية قريبة، وبعد ساعة فقط وبعد أقل من يوم كامل من ظهور أعراضي، كنت جالساً في سيارتي أنتظر دوري أمام الصيدلية، وأحدق في صندوق الأدوية في دهشة.
وفي السابق، كنت أعاني ألماً شديداً لأيام عدة، لدرجة أنني بدأت بالهلوسة من قلة النوم، وهذه المرة كان الأمر في غاية السهولة والراحة.
3 أطلقنا العنان للروح الحقيقية للعمل العلمي الجماعي
في 10 يناير 2020 نشر عالم الفيروسات الأسترالي إدوارد هولمز تغريدة متواضعة، قال فيها «تسلسل الجينوم الأولي للفيروس التاجي المرتبط بتفشي ووهان متاح الآن على موقع (فيرولوجيكل)»، وأجاب عالم ميكروبيولوجي قائلاً، «وهكذا يبدأ الأمر!». وأضاف صورة لطائرة وهي تقلع. وهكذا بدأ بالفعل عام رائع من الأنشطة العلمية المفتوحة والسريعة والتعاونية والديناميكية، والتي تضمنت طرقاً للتعاون لم يكن من الممكن تصورها حتى قبل بضعة عقود. وكان هولمز يعلن أن عالِماً في الصين، وهو جانغ يونغزان، قد توصل إلى تسلسل جينوم الفيروس الغامض، من ووهان، بعد أن عمل وفريقه دون توقف، وأكملوا التسلسل بعد 40 ساعة فقط من وصول عينة الفيروس في صندوق جاف إلى مكتبه في شنغهاي.
ودون انتظار الموافقة أو الإذن الرسمي، شارك يونغزان أيضاً النتيجة على الفور مع مجموعة من الباحثين في أستراليا، ومنحهم الضوء الأخضر لنشرها عبر الإنترنت في مشروع مفتوح. وقد توسع العمل الجماعي أيضاً بطرق كان من الصعب تخيلها بدون الأدوات الرقمية الجديدة التي تسمح بالمشاركة والتعاون السريع، وكذلك الشعور بالإلحاح الذي اخترق العمل المنعزل.
حدث الوباء في وقت تقاربت فيه التكنولوجيا الطبية، والرقمية، والديناميكيات الاجتماعية، مع بعضها بعضاً، ما كشف عن إمكانات إيجابية هائلة للإنسان. ولا شيء سيمحو الخسائر التي عانينا منها، لكن هذا العام المؤلم دفعنا نحو تحسينات جذرية في حياة الإنسان، بفضل التقنيات الحيوية الجديدة، والخبرة الأكبر في الجوانب الإيجابية للاتصال الرقمي، والعملية العلمية الأكثر ديناميكية.
زينب توفيكسي: أستاذة في جامعة كارولينا مهتمة بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والمجتمع
ربما يكون التطور الذي سيكون له أكثر التداعيات عمقاً للأجيال المقبلة، هو التقدم المذهل في التقنيات الحيوية للحمض النووي الريبوزي المِرسال.
2020
بدأ بالفعل عاماً رائعاً من الأنشطة العلمية المفتوحة والسريعة والتعاونية والديناميكية، والتي تضمنت طرقاً للتعاون لم يكن من الممكن تصورها حتى قبل بضعة عقود.
– تُعد تقنية الحمض النووي الريبوزي الجديدة التي تعتمد عليها العديد من اللقاحات، لاسيما لقاحات «فايزر بيونتك» و«مودرنا»، إنجازاً علمياً وتقنياً تاريخياً.
– حدث الوباء في وقت تقاربت فيه التكنولوجيا الطبية والرقمية والديناميكيات الاجتماعية مع بعضها بعضاً، ما كشف عن إمكانات إيجابية هائلة للإنسان.
المصدر: الامارات اليوم