حدد الدكتور ياسر الصالح الأستاذ المساعد في كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، 5 عوامل رئيسية أسهمت في نجاح دبي في التنوع الاقتصادي، وعدم اعتماد اقتصادها على النفط، بفضل حكمة ورؤية قيادتها، ما جعل الإمارة تتبوأ صدارة مدن المنطقة في هذا الشأن.
وقال الدكتور ياسر لـ«البيان الاقتصادي »، إن العوامل الخمسة تتضمن: إنشاء المناطق الحرة، والبنية التحتية المتميزة، والبيئة الجاذبة للاستثمار، والخدمات ذات الجودة العالية، وأخيراً السياسات والتشريعات التي تخدم هذا التنوع، مبيناً أن دبي كانت سباقة.
وقادت المدن الخليجية في هذا التوجه، من خلال اتباعها سياسة ناجحة وفعالة. وأضاف على مدى العقود السابقة، حاولت العديد من الدول تنويع اقتصادها، ولم تنجح في ذلك إلا بضع دول في العالم، وكانت الإمارات إحداها، مبيناً أنه يمكن قياس مدى نجاح التنويع الاقتصادي بعدة طرق، منها مدى تزويد النفط للناتج المحلي.
خطط طموحة
وذكر أن النفط في دبي يشكل اليوم 2% من الناتج المحلي مقارنة بـ55% عام 1981.
وأن مساهمة القطاعات غير النفطية في الدولة بلغت أكثر من ثلثي إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، والذي يعني قلة الاعتماد على مصادر النفط، وهناك توقعات بألا يتجاوز الاعتماد على النفط 20% من الناتج بحلول 2021، حيث ركزت رؤية الإمارات 2021 ورؤية أبوظبي 2030، على أهمية بناء قاعدة اقتصادية مستدامة، وفي أبوظبي تم وضع هدف تقليل اعتماد الناتج المحلي من 58% عام 2008 إلى 36% عام 2030.
المناطق الحرة
وأشار الدكتور ياسر الصالح إلى أن المناطق الحرة لعبت دوراً أساسياً في نجاح الإمارات في التنويع الاقتصادي، وكان لدبي السبق في هذا المجال، حيث بنت ميناء جبل علي عام 1979، رغم كل الشكوك التي صاحبت هذه الفكرة وقت إطلاقها، وحالياً جبل علي هو أكبر وأكثر ميناء ازدحاماً في منطقة الشرق الأوسط، وتعتبر دبي ثالث أكبر منطقة إعادة تصدير بعد هونغ كونغ وسنغافورة.
وبسبب التنافسية العالية لدبي المتمثلة في بنية تحتية ممتازة وبيئة جاذبة وخدمات متطورة، حازت دبي ثقة العديد من المستثمرين، وتمثل المناطق الحرة نحو 80% من صادرات دولة الإمارات غير النفطية، وفي دبي 76% من مجمل صادراتها تأتي من المناطق الحرة، ويوجد في الإمارات حالياً أكثر من 40 منطقة حرة، 23 منها تقع في إمارة دبي.
وتابع الدكتور الصالح: ركزت دبي على بناء اقتصاد معرفي، بداية من الحكومة الذكية وأهمية ربط إنترنت الأشياء، حيث تتميز الإمارة بميزة تنافسية في ارتفاع نسبة استخدام الكمبيوتر والتطبيقات الذكية.
وهذه التجربة اتسعت لتشمل الدولة وباتت الإمارات في قائمة الـ20 دولة التي يمكن تسميتها بالدول الذكية على مستوى العالم، وهنا نذكر فنلندا كإحدى الدول التي لا تمتلك الكثير من الموارد الطبيعية وفيها أعلى مستويات دخل الفرد، وذلك بسبب أن اقتصادها تحول إلى الاقتصاد المعرفي الذي يصنع الثروة من خلال صنع المعرفة.
وذكر أن دبي طورت نظاماً اقتصادياً مبنياً على المعرفة للاستفادة من موقع دبي الجغرافي والتنوع الثقافي والانفتاح التجاري، ناهيك عن سعي دبي لخدمة الاقتصاد الإسلامي، مشيراً إلى ضرورة أن تسعى دبي إلى تعزيز مكانتها من خلال تبني سياسات التنويع المترابط.
وهذا يعني التنويع بناء على نقاط القوة الناجحة التي تتمتع بها الإمارة مثل الطيران والإنشاء، فهناك مجال لدبي لتكون مركزاً عالمياً في صيانة الطائرات أو الأبنية الخضراء المستدامة.
ابتكار
ونوه بأن دولة الإمارات ركزت على الابتكار كونه أحد أعمدة التنويع الاقتصادي، وتبنت عدة شركات وطنية طرح أفكار وحلول مبتكرة للصناعات الحديثة، مثل شركة الإمارات العالمية للألمونيوم.
والتي ركزت جهودها على الأبحاث والتطوير حتى أصبحت رابع أكبر منتج للأمونيوم في العالم، كذلك الأمر جاء التركيز على الابتكار في القطاع الحكومي، بما يصب مباشرة في تطوير المعرفة، ونلاحظ عدة مبادرات نوعية منها مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي، إضافة إلى إطلاق الاستراتيجية الوطنية للابتكار العام الماضي، والذي أطلق عليه عام الابتكار.
ومن المبادرات الجديرة بالذكر شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» التي تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على البيئة، ودعم الطاقة المتجددة والمساهمة في تنويع الاقتصاد الإماراتي.
أسعار النفط
وفيما يتعلق بأسعار النفط، قال الدكتور ياسر الصالح، إن أسعار النفط كانت ومازالت متذبذبة، ولكن الهبوط الأخير فيها كان بمثابة تذكير للاقتصادات المعتمدة على النفط بأن هذا المصدر هو مصدر ناضب ولا يمكن اعتماد الأجيال القادمة عليه، وأخيراً لاحظنا رفع الدعم على أسعار الكهرباء في السعودية، وتحرير أسعار الوقود في الإمارات.
لكن عملية التحول والتنوع الاقتصادي التي تشهدها الدولة غير مرتبط بالهبوط الأخير، وهي عملية تنموية مدروسة بدأت منذ سنوات عدة.
وأضاف: يتصدر التنويع الاقتصادي برامج الحكومات في دول مجلس التعاون، ويبدو ذلك الاهتمام جلياً في مليارات الدولارات التي تصرفها هذه الحكومات لتحقيق هذا الهدف.
مشيراً إلى أن دولة الإمارات اتجهت إلى الصناعات والمعادن مثل الألمونيوم والحديد والفولاذ، إضافة للتشييد والبناء والخدمات اللوجستية والسياحية والمصرفية، إضافة إلى خلق قطاعات جديدة مثل الطاقة المتجددة والبتروكيماويات والطيران مع عدم إهمال أهمية دعم المشاريع والمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
نموذج مميز
بين الدكتور ياسر الصالح أن القيادة في الإمارات تولي موضوع التنويع الاقتصادي أهمية خاصة، ونجحت الدولة في خلق نموذج اقتصادي مميز أبهر العالم، وبرزت الدولة كمصدر تجاري واستثماري رائد في المنطقة والعالم، وأثبت هذا النموذج فعاليته في خلق اقتصاد قوي مكن الدولة من تجاوز الأزمات الاقتصادية مثل الأزمة المالية الأخيرة.
هذا غير المخزون الاحتياطي الضخم الذي تملكه الدولة، ويجعها مهيأة لتجاوز أي انخفاض لأسعار النفط كالذي نشهده هذه الأيام تحت مستوى الخمسين دولاراً للبرميل.
وقال إن اقتصاد الإمارات هو الأكثر انفتاحاً وحيوية في المنطقة، وهو ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة بعد السعودية، حيث أكدت عدة تقارير محلية ودولية، أن الإمارات انتقلت من كونها اقتصاداً نفطياً إلى اقتصاد التنوع الإنتاجي في كل المجالات، وينبغي استمرار ثلاثية التنويع، والتي تتضمن تنويع الاقتصاد وتنويع الإيرادات وتنويع مصادر التمويل.
المصدر: البيان