كاتبة سعودية
لن تجد كثيراً من الناس يختلفون على أهمية وضرورة تطبيق القوانين في المجتمع، ولكن ستجد كثيرين يعترضون على كيفية تنفيذها بصرامة على أفراد دون آخرين، لذا يتحتم على أي مسؤول قبل أن يعتمد أي نظام أو قرار أن يتأكد من أن يشمل تنفيذه جميع شرائح المجتمع، غنياً كان الإنسان أوفقيراً، لأن هذا هو العدل، وفي نفس الوقت أن تُوضع مساحة للرحمة، فالموظف المكلف بالتطبيق قبل أي شيء إنسان، أي عليه أن يتعامل مع الآخرين أثناء تطبيقه للنظام «بإنسانية» وإذا كانت الأنظمة المكتوبة لم تشر بين فقراتها بأي شيء عن الإنسانية وبسبب ذلك لا يستطيع الموظف المكلف مثلاً تطبيق أمر غير منصوص، فهذا بحد ذاته سبب كاف لتحديث وإعادة صياغة الأنظمة وتعميمها بنسخة مطورة توجه بشكل مباشر التعامل مع الآخرين بإنسانية، فليس من الإنسانية على سبيل المثال، أن يطلب منك رجل المرور الترجل من السيارة بعد أن تجاوزت الإشارة أمامه دون أن تتوقف، ليحرر لك مخالفة قطع الإشارة، وحين يكتشف بأنك لا تحمل رخصة القيادة وتستعجله لأن زوجتك التي في السيارة .. لا يعطيك مجالاً ليفهم بل ليحرر لك مخالفة أخرى، فتضطر لعمل مخالفة ثالثة بالفرار من أمامه لأن زوجتك في حالة وضع لا تتحمل الانتظار، لذا بات من المهم أن لا نجعل الأنظمة تسلبنا إنسانيتنا، بل تمنحنا مساحة مرنة لتقدير الظروف الإنسانية الصعبة.
اعتادت (أم فهد) الأرملة العصامية على إعداد بعض المأكولات الشعبية والوقوف على الطريق لبيعها على المارة لتعيل أبناءها الأيتام ، فلم تسرق ولم تتسول بل عملت بالوظيفة الوحيدة التي تتقنها، ولكن مع الأسف وكأنه لا يكفي المحتاج ضعفه، نزعت بلدية الرياض بسطة أم فهد وحرمتها المكان الذي أعدته لنفسها كمصدر للرزق، وحين نُشرت مناشدة السيدة لإمارة الرياض في الإعلام، بررت البلدية ذلك أن موقع البسطة كان في «وضعٍ خطير ويعرّضها ويعرّض المارة للخطر» لأنها تمارس البيع في منتصف الجزيرة التي تتوسط الطريق العام! وكأن السيدة هي المُخالفة الوحيدة في الوطن وبسطتها تمثل أكبر خطر يهدد البشر، مع العلم أن أقدم الباعة المتجولين الذين يعرضون نعناع المدينة، والرمان، والعصافير وصناديق التمور، وحالياً الفقع، يعشعشون منذ سنوات بجانب الطريق السريع (الخبر- الظهران) فإذا لفت نظر أحد المارة بضاعة ما على سبيل المثال عليه أن ينعطف بشكل مفاجئ وحاد وسريع إلى أقصى اليمين ليسبب لأكثر من سيارة خلفه عدة كوارث ينجو منها بعضهم بأعجوبة،
الأمر الذي لم يسعف أم فهد في قضيتها بأنها (مواطنة) وليست عاملاً مخالفاً لدى تاجر أو كفيل معروف أو ذي نفوذ، فلو كانت عاملاً لتُركت سنوات طويلة تسرح وتمرح و تقتات من خير البلد في تجارة مشبوهة ووظائف غريبة لتقوم في نهاية الأمر بتحويلات مليارية لا تتناسب مع دخل الوظيفة بصلة، حتى لو دخلت إلى البلاد بطريقة غير مشروعة لحُظيت بفرصة ومُنحت مهلة تصحيحية لتعديل وضعها، والبحث عن كفيل آخر تُصدر على اسمه إقامة رسمية، وإن لم تكفها المدة تُمنح فرصة تمديد أخرى لإبقائها حتى لو كانت هاربة من كفيل آخر، لتنجو مثل من نجا من عشرات الجنح والمخالفات دون أن تسجن على عقوبة الهروب والعمل غير المرخص، ودخول البلد بطرق غير نظامية، ولكن أم فهد لم تكن عاملاً، لذلك تم مصادرة بسطتها بكل بساطة وسرعة، دون أن تعطى بديلاً أو ينظر في أمرها أو يؤخذ بعين الاعتبار أن تلك البسطة كانت المصدر الوحيد لإطعام الأيتام، فلم يرحمها من نفّذ الإزالة رحمة وزارة العمل والجوازات للكفيل والعامل المخالفين فبالله عليكم ألا تخجلون من الله في هذه المرأة الضعيفة!!؟؟
الفقر في اللغة هو الحاجة، والفقير دائماً يشعر بأنه مكسور الظهر من شدة حاجته، فكيف تمنحك نفسك بالمبادرة على كسرها زيادة!
حين تقيم المؤسسات والجمعيات الخيرية النسائية مثلاً مهرجانات ونشاطات من أجل جمع تبرعات أو صدقات يذهب ريعها إلى دور الأيتام أو الأسر المحتاجة، ليس من اللائق أو المناسب أبداً أن تحضر سيدات الأعمال أو القائمات أو المتطوعات على النشاط بالظهور بماركات ومجوهرات باهظة الثمن والتباهي غير المباشر بإمكانيات كل منهن، ونفس المبالغة تحدث في الجانب الآخر حين يشارك أبناء التجار الأثرياء ليتنافسوا في ارتداء إكسسوارات باهظة الثمن في نشاطات خيرية لوجه الله تنتهي بولائم مبالغ بها.
لا تعلن تبذير أموالك الفائضة في وجود محتاجين، فأنت لا تعرف كم من أسرة تنظر لك بحسرة، ولا تجعل أطفالك المدللين يعبثون بها أمام أعين المحرومين، لأن ذلك يزيد من كسر أنفسهم.
المصدر: الشرق