أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي حالة الطوارئ في البلاد بعد مرور نحو أسبوع على هجوم سوسة الإرهابي في ظل تحذيرات دولية بتواصل التهديدات الموجهة إلى تونس ووجود مجموعة أهداف ومقرات حساسة يحتمل مهاجمتها خلال الفترة المقبلة. وأكد وزير شؤون الرئاسة مدير مكتب الرئيس التونسي رضا بالحاج لـ«الشرق الأوسط»، أن الخطوة تجئ وسط تزايد للمهددات الأمنية، والحصول على معلومات استخباراتية باحتمال وقوع هجمات إرهابية جديدة، مشيرا إلى أن منح صلاحيات واسعة للمحافظين تطلق يدهم في تعقب الجماعات المتطرفة، لكنه استبعد في المقابل حل الحكومة والبرلمان.
وذكرت مصادر رئاسة الجمهورية أن قرار الطوارئ اتخذ نتيجة ظروف قاهرة وإثر توفر معطيات تشير إلى وجود تهديدات إرهابية جدية وكبيرة. وأضافت قولها «أمام جدية التحذيرات تقرر إعلان حالة الطوارئ التي ستمكن قوات الجيش من معاضدة قوات الأمن والنزول إلى الشارع لتأمين مجموعة من المنشآت الأساسية الحيوية».
ووفق الفصل 79 من الدستور التونسي الجديد، فإن صلاحية إعلان حالة الطوارئ ترجع إلى رئيس الجمهورية الذي يقرر هذا الوضع الاستثنائي بالتنسيق مع رئيس الحكومة إذا كانت البلاد، في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن واستقلاله. وفي 6 مارس (آذار) 2014، أنهى المنصف المرزوقي الرئيس التونسي السابق حالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ اندلاع ثورة 2011. وكانت عمليات تجديد حالة الطوارئ تجري بشكل دوري لمدة ثلاثة أو ستة أشهر. ويجيز الدستور التونسي إعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية أو ببعضها، أما في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام وأما في (حال) حصول أحداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامة. ويمكن قانون الطوارئ وزير الداخلية التونسية، من صلاحيات استثنائية من بينها فرض الإقامة الجبرية على الأشخاص، وحظر التجماعات، والتجول، وتفتيش المحلات ليلا ونهارا ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والتلفزني والعروض السينمائية والمسرحية وذلك دون وجوب الحصول على إذن مسبق من القضاء.
من جهته كشف رضا بالحاج الوزير برئاسة الجمهورية مدير ديوان الرئيس لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار الرئيس الباجي قائد السبسي إعلان حالة الطوارئ في كل المحافظات التونسية جاء ردا على تعاقب التهديدات الإرهابية وبينها تهديدات بشن هجمات جديدة على مؤسسات سياحية مختلفة بعضها في جزيرة جربة السياحية في الجنوب التونسي والتي تعتبر من أكثر المناطق جاذبية للسياح إلى حد اليوم رغم تعاقب أعمال العنف والعمليات الإرهابية وبينها الهجومان على منتجع سوسة القنطاوي وعلى المتحف الوطني في باردو بالعاصمة».
ونفى الوزير مدير الديوان الرئاسي التونسي في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن يكون تقرر إعلان «حظر التجول» لكنه أوضح أن قرار إعلان حالة الطوارئ جاء لتوجيه رسالة من رئيس الجمهورية والحكومة والبرلمان تشير إلى أن الدولة لن تتاسمح مع أي انتهاكات جديدة للخطوط الحمراء وأنها ماضية في الحرب الشاملة على الإرهاب لحماية مصالح الشعب التونسي ومؤسساتها ومنع حصول جرائم وأعمال عنف جديدة ضد مؤسسات سياحية أو غيرها من المؤسسات الوطنية الحيوية وفق ما يسمح به قانون 1978 الذي يمكن رئيس الدولة من إعلان حالة الطوارئ بعد التشاور مع رئيسي الحكومة ومجلس النواب عندما يشعر بوجود تهديدات خطيرة للأمن القومي ومصالح البلاد العليا.
وقال الوزير رضا إن «قانون حالة الطوارئ والدستور الجديد يمنحان رئيس الدولة أن يقوم بهذه الخطوة التي تمنح صلاحيات أمنية وسياسية أكبر للمحافظين (الولاة) إلى جانب تعزيز دور مؤسسات الأمن المدنية ووزارة الداخلية خلال الحرب على الإرهاب». وأشار في السياق نفسه إلى أن الفصل 80 من الدستور التونسي الجديد نص على أن من بين نتائج الإعلان عن حالة الطوارئ منع توجيه مساءلات للحكومة أو تغييرها أو حل البرلمان على غرار المطالب التي صدرت عن بعض المثقفين والسياسيين التونسيين. وتعني هذه الخطوة سياسيا إيقاف الجدل الذي برز في بعض وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعية التونسية عن ضرورة إقالة بعض الوزراء أو رئيس الحكومة أو كبار المسؤولين في الدولة أو حل البرلمان احتجاجا على فشل سياسات الدولة الأمنية في إجهاض الهجمات الإرهابية المتعاقبة على المؤسسات العسكرية والسياحية من قبل مسلحين قيل إن لديهم علاقات بتنظيمات مسلحة موالية سياسيا لـ«القاعدة في المغرب الإسلامي» و«داعش».
كما يعتبر البرلمان خلال مرحلة الطوارئ في حالة انعقاد دائم ويستبعد سيناريو حله خلافا لبعض الدعوات التي حاولت إعادة إنتاج سيناريو عام 2013 عندما تسببت عمليتا اغتيال ناشطين سياسيين في تحركات قوية للإطاحة بالحكومة والبرلمان الانتقالي – المجلس الوطني التأسيسي.
حول هذا القرار المفاجئ، قال عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، إنه «يهدف بالأساس إلى محاصرة ظاهرة الإرهاب وإنه لا يستهدف البتة العمل السياسي المنظم المحترم للقانون». وأشار إلى أن الرابطة التونسية لا تدعم مثل هذه الإجراءات التي تحد من الحريات والحقوق الفردية والجماعية ولكنها ستنتظر على حد تعبيره نسبة تطبيق هذا القانون من قبل الأجهزة المختصة ومدى احترامها للحقوق والحريات التي جاء بها الدستور التونسي الجديد.
يذكر أن التعزيزات الأمنية تكثفت حول غالبية المؤسسات السياسية والسياحية التونسية منذ 1 يوليو (تموز) الحالي وقد وقع تسخير أكثر من 1300 رجل أمن من الفرق المختصة في الشواطئ والفنادق السياحية. لكن مصادر أمنية مختلفة أكدت أن تهديدات أمنية خطيرة جديدة وصلت الأمنيين حول احتمال مهاجمة أهداف سياحية واقتصادية وطنية كثيرة بعضها في الجنوب التونسي وتحديدا في جزيرة جربة التي تستقبل لوحدها سنويا نحو ثلث العدد الإجمالي للسياح الأوروبيين والمغاربيين الذين يزرون تونس غالبيتهم من الألمان والإنجليز والليبيين الذين يتميزون بنفقاتهم المرتفعة مقارنة بالمجموعات السياحية الشبابية القادمة من أوروبا الشرقية وفرنسا إيطاليا.
وإذا كان قطاع السياحة والصناعات التقليدية التونسي يوفر نحو مليون موطن شغل في تونس فإن مصير هؤلاء والـ700 ألف عاطل عن العمل حاليا رهين نجاح خطة الطوارئ الحكومية في القضاء على الإرهاب والغالبية الساحقة من بقايا الخلايا الإرهابية النائمة.
وكان الباجي قد أشرف قبل أيام بقصر الرئاسة بقرطاج على اجتماع المجلس الوطني للأمن بحضور رئيس الحكومة الحبيب الصّيد وعدد من أعضائها وأبرز القادة الأمنيين والعسكريين للنظر في إجراءات إضافية بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف أحد النزل بالمنطقة السياحية بسوسة، وراوغ انتظارات الكثير من المتابعين للوضع في تونس من خلال تراجعه في آخر لحظة عن إعلان حالة الطوارئ ومطالبة رئيس الحكومة بضرورة التأني وتشخيص الوضع الأمني بدقة.
وأكد في المقابل على ضرورة الرفع من درجة الحذر والحيطة والتأهب لاستباق كل المخاطر التي تتهدد أمن تونس كما طلب من رئيس الحكومة تدارس إمكانية اتخاذ إجراءات استثنائية وفق ما تقتضيه حاجة البلاد وتحديد الحاجات العاجلة لقوات الأمن والجيش والعمل على توفيرها من خلال ما عبرت عنه عدة دول من استعداد لتقديم المعونة الآنية.
وكانت مصادر سياسية تونسية قد أشارت إلى إمكانية إعلان حالة الطوارئ إلى حين تحسن الوضع الأمني بعد اللقاء الذي جمع الحبيب الصيد رئيس الحكومة مع ممثلي 21 حزبا سياسيا ممثلا في البرلمان واطلاعهم على الظرف الاستثنائي الذي تمر به تونس. وفيما يتعلق بتأثير هذا إقرار على الوضع في تونس، قال بلقاسم حسن (ناشط سياسي) إن «مثل هذه الإجراءات الاستثنائية قد تكون لها تأثيرات سلبية للغاية على صورة تونس في الخارج، وأنها قد تنفر منها الاستثمارات الخارجية كما أنها قد توتر الأوضاع الداخلية في حال مهاجمة الشباب المطالب بالتنمية والتشغيل بصفة سلمية». واعتبر حسن أن تبعات القرار ستكون وخيمة على الجميع وتمنى أن يكون هذا الإجراء وقتيا وألا تطول مدته كثيرا حتى لا يغمر الإحساس بالفشل كل التونسيين على حد تعبيره.
وإثر هجوم سوسة الإرهابي الذي خلف مقتل 38 سائحا أجنبيا و40 جريحا، اتخذت الحكومة التونسية مجموعة من الإجراءات الاستثنائية من بينها نشر نحو ألف شرطي تونسي مسلح بنحو 690 فندقا سياحيا وكذلك وحدات مسلحة داخل الفنادق السياحية.
كما قررت الحكومة غلق 80 مسجدا لا تخضع لسيطرة وزارة الشؤون الدينية أو التي حادت عن الخطاب المعتدل وبثت الكراهية، إلى جانب إعادة النظر في قانون تمويل الأحزاب والجمعيات، مؤكدا أن عدة جمعيات تقف وراء عمليات الإرهاب.
المصدر: تونس كمال بن يونس والمنجي السعيداني – الشرق الأوسط