الأحد ٣٠ أكتوبر ٢٠١٦
تحديث المجتمعات وتنميتها يقتضي تبديل اتجاه السير وتغيير طريقة التفكير وإعادة ترتيب منظومة القيم وتغيير محاور الاهتمام، فلا يمكن أن ينمو أي مجتمع بنفس الأفكار والتصورات والاهتمامات السابقة للتحديث ولكن طبيعة العقل البشري والكيفية التي يتكوَّن بها تجعله يرفض بشكل تلقائي أية أفكار أو تصورات مغايرة لمعاييره المستقرة، لذلك كان التنوير هو الشرط الأول لبداية التحديث في أي مجتمع وأمامنا نموذج اليابان وكوريا الجنوبية والصين وغيرها لكن النموذج الأساسي هو النموذج الأوربي سواء على مستوى القارة بأجمعها أم على مستوى كل مجتمع بمفرده، ومن قراءة التاريخ الأوربي يتضح أنه رغم أن ألمانيا وكل أوربا تعرَّضتْ لهزات ثقافية قوية وعميقة متعاقبة منذ اختراع المطبعة التي وفَّرت الكتب للعموم ومروراً باكتشاف أمريكا بمغامرة كولومبس وما أحدثه ذلك من تساؤلات كثيفة وحادة ونظرية كوبرنيكوس عن موقع الأرض من المجموعة الشمسية وهي نظرية هزت العقل الأوربي، ثم انشقاق الكنيسة على يد مارتن لوثر وانفصال بعض الإمارات الألمانية عن الإمبراطورية المقدسة والفورة البريطانية في عهد اليزابيث الأولى وظهور شكسبير وفرانسيس بيكون وتوماس هوبز وغيرهم من الرواد الخارقين ثم ظهور ديكارت في فرنسا حيث هو المؤسس الفعلي للفلسفة الحديثة إلا أن التنوير بالمفهوم التاريخي المعروف قد ابتدأ في بريطانيا بفكر جون لوك وديفد هيوم وآدم اسميث وغيرهم ثم حصلت طفرة التنوير في فرنسا بجهود مونتسكيو وفولتير…
الأحد ٣١ يوليو ٢٠١٦
يعرف المتابعون المهتمون بأن باروخ جولدشتاين طبيبٌ يهوديٌّ صهيونيٌّ دَرَسَ علوم العصر وتخصَّص في مجالٍ معرفيٍّ ومهنيٍّ يمتاز نظريًّا بطابعه الإنساني الرفيع لأن مُهِمَّته هي حمايةُ حياةِ الناس وليس إزهاقها ولكن هذا الطبيب اليهودي تصرَّف بدوافع ثقافية عميقة عكس ذلك تمامًا فقد ضَحِّي بحياته ليقتُلَ جموعَ المصلين عشوائيا التزامًا بعقيدة متحجِّرة توارثَها أهلُه وأسلافُه منذ آلاف السنين وقد تَبرمَج بها هو تلقائيا في طفولته فباتت تحْكُمه وتتحَكَّم به ولم يكن هذا اليهودي بعقيدته العمياء المتحجرة سوى مثال لمئات الملايين من الناس في الغرب والشرق والشمال والجنوب وفي كل مكان يتبرمجون تلقائيا في طفولتهم بما هو سائد في بيئاتهم... إنه نموذجٌ صارخ على فاعلية التبرمُج التلقائي وضآلة تأثير التعلُّم الاضطراري فقد تَمَّ تعليمه مهنة الطب للإسهام في حماية حياة الناس لكنه يقرر بكل تصميم بأن يقتُل المصلين قتْلاً جماعيا غدرًا وهم غافلون ومستغرقون في صلاتهم ومع الدلالة البشعة لهذا الحدث العدواني الفظيع ومع أن الأحداث المماثلة تتوالى بشكل كثيف في كل مكان إلا أنها تمُرُّ من دون أن توقظ البشرية أو تحْملها على التوقف أمام هذه الظواهر العدوانية البشعة لتحديد مصادر ما تعانيه الإنسانية في كل مكان والبحث الجاد عن حلول قابلة للتنفيذ العملي على المستوى الإنساني كله... إن الهَوَس الايديولوجي هو المعضلة البشرية الفظيعة المزمنة بل هو الوباء الذي لا…
الإثنين ١١ أبريل ٢٠١٦
كي نستطيع تكوين أنفسنا بالمستوى الرفيع الذي نرجوه فإن علينا أن نستحضر في أذهاننا دائما أن الإنسان كائن تلقائي فالإقدام أو الإحجام والانجذاب أو النفور يتدفق أو ينساب من الأعماق وبفقدان هذه الجاهزية التلقائية تختفي الفاعلية فمن يتعلم اندفاعًا عن شعور تلقائي متأجج بحب المعرفة أو عن إحساس حاد بحاجته إلى إجابات شافية لتساؤلاته الذاتية التلقائية الملحة لن ينتظر معلماً متأففًا ليلقي عليه معلومات مبذولة ومتاحة يمكنه الحصول عليها بيسر وسهولة فهي متوفرة في مصادر لا تُحصى. إن إنسانًا مندفعًا تلقائيًا للتعلم ليس بحاجة إلى تلقين ثقيل من معلم ضجر بل إن اضطراره للقسر التعليمي يعوقه أكثر مما يفيده فالتعليم الجمعي الاضطراري يصرف الجادين عن مجالات اهتماماتهم التلقائية ويعوقهم عن الاستقصاء عن القضايا التي تشغل أذهانهم ويستهلك الأعمار ويستنزف الطاقات ويصيب جموع الدارسين بكره التعلم والعزوف عن المعرفة الممحصة والنفور من كل ما يرمز إلى هذا القسر الطويل الممض المرهق.. إن الإنسان كائن تلقائي فقابلياته ليست خاضعة للأمر والنهي بل تتحرك بفاعلية الحب أو الكره.. والانجذاب أو النفور.. والاستحسان أو الاستهجان.. إنها تتحرك بدوافع داخلية ذات استجابة تلقائية لذلك فإنه لا يمكن إرغام قابلياته لهضم مواد تعليمية لم يشعر هو بحاجته إليها وبسبب ذلك تضيع أعمار الأجيال في كل المجتمعات في تعلُّم اضطراري يملأ نفوس الدارسين بكره التعلم والنفور من…