أ.د. محمد بن عبد العزيز العميريني
أ.د. محمد بن عبد العزيز العميريني
أستاذ في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

سحر البيان.. بلاغة الخطاب.. وأسرار الإقناع .. الصورة الحجاجية من سلطة اللغة إلى طواعية المتلقي

السبت ١٧ مايو ٢٠٢٥

تُعد وسائل الإقناع مكونات جوهرية في بناء الخطاب الحجاجي، إذ تُسهم في تحقيق الغاية التواصلية المتمثلة في التأثير في المتلقي وتوجيهه نحو تبنّي موقف معين أو إقناع متلقيه بفحوى خطابه، أو التأثير فيهم وتغيير رؤاهم الفكرية تجاه موقف ما؛ لذا يعد الحجاج مكونًا أصيلًا في بنية اللغة، إذ يسري فيها سريانًا طبيعيًا، ليُشكل بذلك جزءًا لا يتجزأ من الخطاب، خصوصًا حين يتعلق الأمر بالنصوص التي تُبنى لغرض الإقناع. ويتميز النص الحجاجي بكثافة الحجج التي تتفاعل وتتقابل داخله، في تنافس دلالي تتباين فيه درجات القوة والضعف بحسب فعاليتها في تحقيق مقصد الإقناع. فالحجج تتراوح بين ما هو قاطع وجازم، وما هو اعتيادي محدود التأثير. ومن البديهي أن الحجة الأقوى تحوز قدرة أكبر على التأثير، وتحقق الغاية التواصلية المرجوة من توظيفها في موضعها الخطابي المناسب. ويشير الباحثون إلى أن القيمة الحجاجية للقول لا تُختزل في محتواه المعرفي أو المعلوماتي فقط، بل تتجاوز ذلك إلى عناصر لغوية وشكلية، كالتراكيب والصيغ والأدوات اللغوية، التي تُضفي على القول بُعدًا توجيهيًا حجاجيًا، يُسهم في توجيه المتلقي نحو تأويل معين أو موقف مقصود. فالإقناع: هو تحقق الأهداف التي يرجو المرسِل إيصالها من خلال خطابه محدثا تغييرا في موقف المرسل إليه الفكري والعاطفي(1). وسميت بالإقناعية لما ترمي إليه من خلال أهدافها أو هدفها الرئيس : إقناع المخاطَب أو…

منطقية الفكر التأويلي في النحو العربي بين ضوابط القاعدة وفضاء المعنى

الأحد ١١ مايو ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: يُعدّ النحو العربي أحد أبرز الأدوات التي صاغت الذهنية العربية في تعاطيها مع النص، سواء كان نصًا مقدسًا كالنص القرآني أم نصًا أدبيًا أو علميًا. وقد نشأ الفكر النحوي العربي متشابكًا مع قضايا المعنى، إلا أن ما يميّز هذا الفكر هو قدرته على التوفيق بين القاعدة بوصفها إطارًا منطقيًا صارمًا، والتأويل بوصفه أداة لفهم تعددية الدلالة وتركيب المعنى، وتأخذ وظيفة التأويل دلالات أخرى أكثر رمزية أو (إشارية)، حين يكون هدفه الأسمى العثور عن طريق الظاهر الحرفي إلى الباطن الإشاري أو الرمزي، حيث يسمح النص بتحويل المعنى الموضوعي إلى المعنى الذهني(المتصور)،خاصة حين ندرك أن التأويل تفاعل معرفي بين بنية ذهنية، وبنية نصيّة وبنية سياقية مؤطِّرة لهما، وبنية من النصوص الغائبة، والعلوم المرجعية. وأود -هنا- أن أحدد منطلقاً مهماً في فهم الخلفية النظرية للتأويل في النحو العربي وأنه لا يعني - اقتضاءً- الخروج عن النص أو تحريفه، بل هو نشاط عقلي يسعى إلى الكشف عن أبعاد المعاني المحتملة داخل بنية النص، خاصة حينما تواجه القاعدة النحوية ظواهر لغوية غير مألوفة. كما يوجه الرؤية نحو قصدية الناطق أو ما يسمى بــ(قصدية الصور النصية)، وما تثيره تلك الصور في ذات المؤول من تخييل وتوقع، و-هنا- يعالج مضمون جدلية قصد القارئ وقصدية النص، غير أنه من المسلّم به أن محاولة تعيين…

“بين التبعية والاستقلال.. أقسام الدراسات العليا في الجامعات على مفترق طرق”

الثلاثاء ٠٦ مايو ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست:      تشكل الدراسات العليا محورًا رئيساً في عمل الجامعات المعاصرة، فهي تمثل البيئة التي يُنتَج فيها البحث العلمي المتقدم وتُخرَّج منها الكفاءات البحثية والمهنية العليا. ومع ازدياد الضغوط على الموارد المالية والإدارية، تتجه بعض الجامعات نحو دمج أقسام الدراسات العليا ذات التخصصات المتقاربة بهدف تقليص النفقات أو توحيد الموارد أو الشك الظاهري بتقارب المناهج، وتعانق العلوم المختلفة. إلا أن هذا التوجه يحمل في طياته مخاطر علمية وتربوية تتطلب وقفة تأملية نقدية، خصوصًا حين يُدمج بين تخصصات مختلفة من حيث المنهج والمجال المعرفي. وتشهد الدراسات العليا تطوراً ملحوظاً من حيث التخصص والتعمق، وأصبحت الحاجة إلى التخصص الدقيق من السمات الأساسية للبحث العلمي المعاصر. إذ يؤدي التخصص الدقيق إلى تعزيز الأصالة العلمية، والتمكن من تحليل المشكلات بصورة علمية واضحة، ويسهم في تطوير أدوات التحليل والمنهجيات الملائمة في المجال البحثي المتخصص. كما يسمح له بتكوين قاعدة معرفية صلبة ومحدثة، مما يرفع من جودة الأطروحة أو المشروع البحثي، ويقصد بالتخصص الدقيق، التركيز العميق في مجال فرعي محدد داخل تخصص أوسع، يتيح للباحث الإلمام الشامل بجوانبه النظرية والتطبيقية. ورغم الجاذبية الظاهرة للجمع بين أكثر من تخصص، إلا أن هذا النهج يحمل العديد من الإشكاليات المنهجية والعملية لعل من أهمها ضعف العمق في التحليل، وتشتت المعالجة المنهجية، والاتجاه السطحي في دراسة…

سلطة النص بين التأويل وجدلية القصد

الثلاثاء ٢٩ أبريل ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: يعد التأويل في النحو العربي(interpretation) من المفاهيم الواسعة المتجددة الأشكال والآليات والأنساق، إذ يقوم عند المحدثين على جملة من الوسائط يتعين معها مفهوم التأويل وآلياته بما لا ينفي الخلاف بينهم كما اختلف القدماء، فتجاذبه المقام (situation) والنص أو الشاهد العربي (الفصيح)، واهتمامات المؤول، ويتفاعل معه الأثر (النصي) و(المنهج). واهتم العلماء -خاصة أصحاب التفسير وعلم البيان وغيرهم- بإبراز أهمية (التأويل) في الدرس القرآني والبلاغي وآلياته، واتجهوا لدراسة التركيب وما يعترضه من أوجه تفسيرية تأويلية، وما يحدث له من تحولات لغوية وبنيوية، وتتحدد إشكالية التأويل من خلال تباين القراءة للنص، وإشكالية تحديد أبعاده ومفاهيمه. وحين نتحدث عن (التأويل) بوصفه آلية من آليات تخريج النص وتوجيهه، أو كما يعده البيانيون (انزياحاً) عن السياق، إنما نركز على آلية اللغة وعلاقتها بالأنظمة النصية المختلفة التي تراعي المواقف ومقتضى الحال، كما تركز على تناسب المفهوم مع القواعد المقررة دون خروج أو مخالفة، وتؤكد مفاهيم عدة ذات صلة بالتأويل كالاتساع الذي يحققه الكلام بحكم اتساعه وتعدد قراءاته، كما يعتمد التأويل في مفهومه (القواعدي) على قضايا الاستدلال المختلفة حين يسعى إلى إقرار مفاهيم ضمنية للنص تتوافق مع المطرد من النصوص، وتؤكد خلو القوانين اللغوية من النقض والاعتراض. ويُعنى التأويل بجدل الرسالة، والوضع اللغوي، إذ الرسالة قصدية تُوجّه من قبل شخص يعني بها شيئاً معيناً،…

من نحو الجملة إلى نحو النص (1)

الثلاثاء ٢٢ أبريل ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: إن اللغة في جوهرها لا تعني مجرد نظام من العلامات، بل هي في الأساس نشاط تواصلي يقوم على استعمال العلامة اللغوية لإنجاز أفعال تواصلية، لأن وظيفتها الأساسية هي: (التواصل)، ومن ثم حظيت باهتمام كبير منذ عقود طويلة، ظهرت خلالها مدارس عديدة، ومن أحدثها المدرسة (النصية)، هذه المدرسة الحديثة التي أحدثت نقلة عملاقة تتجلى في تجاوزها التحليلات اللغوية للنظم المعهودة التي ألفتها المدارس اللغوية القديمة. لقد انكب اهتمام تلك المدارس على (الجملة) بوصفها أعلى وحدة لغوية محورية انطلاقا من أن الجملة وحدة نظرية نظامية إطارها اللغة، تنطلق من كفاءة لغوية. وتمثل هذه المدارس اتجاها في اللسانيات هو: (لسانيات الجملة)، كما حظيت الجملة باهتمام اللسانيين فلا تخلو نظرية لسانية بنيوية أو غير بنيوية من تصور محدد لتحليل الجملة. وليست التحليلات الصوتية والصرفية التي قامت بها اللسانيات عموماً واللسانيات البنيوية الأميركية خصوصا، والنتائج التي توصلت إليها سوى مدخل لدراسة بنية الجملة. فالجمل ليست ألفاظاً وضعت جنباً إلى جنب اعتباطياً، ولكنها تخضع في كل الألسن الطبيعية، لمجموعة من القيود والقواعد التي تضبط مختلف العلاقات المتحكمة في تجاور مواقع وحداتها المكونة. إن بناء الجملة ليس مجرد وضع كلمة إلى جانب أخرى، ولكنه بناء مقيد ومضبوط يقتضي أن يحصل بين مكونات الجملة نوع من الانسجام. فلا يكفي أن يجاور أي فعل اسماً…

واقعُ اللغة العربية؛ والتحديات الراهنة.. مسيرة عطاء متجدد لسمو الشيخ سلطان القاسمي

الثلاثاء ١٥ أبريل ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: يعد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم إمارة الشارقة، من الشخصيات البارزة التي قدمت جهودًا جبارة للمحافظة على اللغة العربية، وتعزيز مكانتها، ودورها الفاعل في المجتمع الإماراتي على وجه الخصوص والعربي بوجه عام، لأن إيمانه القوي بمبادئه الخاصة، جعله يعد اللغة العربية "أمانة في أعناق الجميع"، لذا كرس نفسه شخصيا ليكون حارسا أمينا على رفعتها وسمو مكانتها في المجتمع على مر الأيام والأزمان. ولسان حاله يقول: "لابد من إعادة الزخم الذي كان للغتنا ولمعطياتها في الآداب من الشعر والقصة والرواية وغيرها في السابق، لابد من إحيائها مرة أخرى بجهود الفضلاء والعلماء". لقد تفانى سمو الشيخ القاسمي واهتم اهتماما بالغا بالتراث العربي اللغوي، فتم الترويج للغة العربية بوصفها وسيلة حضارية وثقافية، لها دور محوري في الحفاظ على الهوية العربية، لأن اللغة تشكّل أبرز ركائز الهوية، وتأتي في مقدمة الحضارة، لذا سعى دائماً إلى تعزيز مكانتها، فسلامتها سلامة الفكر وسلامة الثقافة، وهذا ما أكده مراراً وتكراراً من خلال مكرماته ومبادراته التشجيعية القيمة، التي تعكس رؤيته في الحفاظ على اللغة العربية، رؤية طموحة نحو تعزيز التواصل اللغوي والثقافي داخل مجتمعه وخارجه. غير أن الاهتمام باللغة العربية (لغة الضاد) شملها (كتابة/ ونطقا/ وخطا) من خلال دعمه المستمر للمشاريع التعليمية والثقافية التي تسهم في تعزيز استعمالها، وإعادة حيويتها، عبر…