مجاهد عبدالمتعالي

الشيعة السعوديون في سبيل الدولة الوطنية

الأحد ٣٠ يناير ٢٠٢٢

أكثر ما شد كاتب المقال للمسألة الشيعية في السعودية هو ما كتبه كامل الخطي بعنوان (الإسلام الحركي الشيعي يطل على القطيف مرة أخرى)، وما طرحه حسن المصطفى بجريدة النهار العربي بعنوان (لقاء الضاحية الجنوبية.. هل يعيد العنف الثوري). وما كتبه محمد الحرز بعنوان (الحراك السياسي الشيعي وضرورة المراجعة)، ثم تلاه لقاء معه أيضاً في (سؤال مباشر) عبر شاشة العربية مع الإعلامي القدير خالد مدخلي. طبعاً هناك ردود أفعال متداولة داخل الفضاء الشيعي على هذه الأطروحات ومن أطراف (علمانية)، ومن أهمها مقالة منسوبة للكاتب البحريني علي الديري بعنوان (إلى صديقي حسن المصطفى: هل يجب ألا نخاف؟). طبعاً نحاول هنا ومن خلال استقراء الخط العام الذي تسير فيه هذه النماذج (الخطي، المصطفى، الحرز، الديري)، وكلهم من أنصار (الدولة المدنية) مؤمنين بركنها الركين في تعزيز (المواطنة) مع اختلاف الأخير (الديري) في إمكانية ذلك داخل الفضاء الخليجي لأسباب يمكن إرجاعها لمشكلة توازي (الإسلاموفوبيا) في عقول بعض الكتاب الغربيين، لنجد لدى بعض الشيعة -والديري (ربما) منهم- موقفاً ضد السنة يمكن تسميته (فوبيا السنة)، ولدى بعض السنة موقفاً ضد الشيعة يمكن تسميته (فوبيا الشيعة). والفوبيا خوف نفسي (مرضي) يستثمره (الطائفيون من السنة والشيعة)، ويعالجه (الوطنيون) وفق إطار ما نصت عليه المادة (12) والمادة (39) من النظام الأساسي للحكم في السعودية. وهنا نحاول طرح مقاربة لمشاهد (من…

التجريف العثماني قتل أبها ثقافيا

الأحد ٠٢ مايو ٢٠٢١

في ندوة على هامش معرض الكتاب بالإسكندرية قبل عامين تحدث الدكتور وسيم السيسي عن (المسكوت عنه في التاريخ) وكانت المحاضرة عن تاريخ مصر، ومن الإشارات اللافتة على لسان الدكتور وسيم السيسي أن المسكوت عنه في التاريخ هو مما يؤلمنا، وأشار إلى التعلم من التاريخ، وأن الطبيعة البشرية تتعلم مما يؤلمها أكثر من التعلم مما يربت على معنوياتها، ثم أشار إلى أن (الحملة الفرنسية) ومدتها سنتان وبضعة أشهر (1798 ــــ 1801) كانت نقلة نوعية لتاريخ مصر، ففيها بدأ مفهوم المواطنة بينما ينقل عن الجبرتي أن الاحتلال التركي لمصر نتج عنه نقل كل العمال والصناع المهرة من مصر إلى تركيا، وهنا ينقل عن الجبرتي قوله: (فتوقفت في مصر أربعين حرفة). وهنا نعود لنقاش مسألة فكرية، تخص سؤالا مسكوتا عنه في منطقة عسير (لماذا كانت الريادة الثقافية في منطقة عسير لأبناء رجال ألمع) مما دعا الدكتور علي الموسى عام 2015 إلى أن يكتب مقالا بعنوان: (عن مجلس ألمع وعن اليباب الثقافي) يستشهد فيه برأي الأستاذ الكبير والشاعر أحمد عبدالله عسيري: (لو أقفلت عقبة الصماء لأقفلت تسعين بالمائة من جداول الفكر والثقافة في منطقة عسير...) رغم أن أبها عاصمة المنطقة وفيها ناد أدبي من أقدم الأندية الأدبية على مستوى المملكة العربية السعودية، والإشكال لا يعود إلى عائق فكري أو جينات خاصة في رجال ألمع،…

الصحوة مرض نفسي أم موقف فكري

الثلاثاء ١٢ يناير ٢٠٢١

تقرأ خبرا عن شخص مارس الدعارة مع امرأة ثم اعتدى عليها بسبب حديثها غير اللائق عن أحد رموز الصحوة، ثم تقرأ خبرا أكثر غرابة عن مجموعة من السكارى اختلفوا إلى حد التشابك بالأيدي بسبب نقاش حول جواز وجود شجرة الكريسماس في متنزههم لأن فيها تشبها بالكفار!! هذه الأخبار وأمثالها تطرب لها الحركات الإسلامية وتستشهد بها تحت دعوى «بذرة الخير وحب الصالحين ما زالت موجودة في قلوب هؤلاء»، أي أن ما يهم هذه الحركات هو الولاء المطلق لها ولا يعنيها مستوى السوية الأخلاقية للتابعين، فالتوبة عند الحركات الإسلامية لا تعني تعديل السلوك بقدر ما تعني تعديل الشكل من خلال إطالة اللحية وتقصير الثوب، ولهذا فلن تتفاجأ بعد ذلك باعتداء «داعية» على ابنته إلى حد الوفاة، والحقيقة أن هذا «الداعية» ليس إلا شخصا عدوانيا ذا استعداد إجرامي غطى هذا السلوك بمتطلبات «التوبة الصحوية» التي لا يهمها السلوك. ويبقى السؤال: لماذا تظهر هذه الغرائب بين مجموعة سكارى أو ممارسي الدعارة دفاعاً عن رموز الصحوة، وهذا المقال يحاول الاتكاء على أدبيات «علم النفس»؛ لتفسير مثل هذا السلوك الذي يفسره البعض بالنفاق، بينما المنافق يعرف ذاته وأهدافه جيداً، ولهذا لن نتحدث في هذا المقال عن «أصحاب اللحى والثياب القصيرة ممن مارسوا النصب والاحتيال على الناس في تشغيل الأموال، وممن مارسوا الدجل الاجتماعي إذ يحرمون مثلاً…

المزيني من حراسة الفضيلة إلى عمامة الغذامي

الثلاثاء ٢٨ يوليو ٢٠٢٠

اطلعت على كتاب (العقل المؤمن /العقل الملحد) للغذامي، لم أضع الكثير من الوقت في تقليبه، أعدته لرف المكتبة التجارية، كان مجرد (نقولات انتقائية) بطريقة أعادت لذاكرتي كتاب (حراسة الفضيلة) الذي وازن بين رأيين جعلا الدكتور حمزة المزيني يستعرض بكل أدب رفيع ما على (حراسة الفضيلة) من ملاحظات منهجية وعلمية، لم يستطع كثير من الناس موافقته عليها إلا بعد مضي عشرين عاما على مقاله بصفحات هذه الجريدة العدد (143) من عام 2001م، وكان المزيني متمسكاً بحدود الموضوعية العلمية دون الدخول في تفاصيل الترجيح من عدمه، فكأنما الغذامي يعيد إنتاج (حراسة الفضيلة) بطريقة لا تختلف كثيراً عن الطريقة القديمة التي تعيد إنتاج نفسها عبر النقولات التي تستظهر رأيين تميل في المضمر لأحدهما، سواءً أسترجعت كلام الإمام الطبري أم روت عن ابن عباس رضي الله عنه، أو جاءت بعد عشرين عاما بلسان ثقافي يقتبس عن برتراند رسل ويروي عن ستيفن هوكينج، ففي كتاب (حراسة الفضيلة) كانت الانتقائية تؤدي إلى نتيجة محسومة سلفاً، وقد كشفها (حمزة المزيني) برشاقة وأمانة علمية زادت عليه الأعداء والحانقين آنذاك، وها هو من جديد يمارس نفس الأمانة العلمية مع نفس (العقل) الذي لم يستطع تجاوز (المدرسانية/السكولائية) فعاد إلى ثنائية (الإيمان والإلحاد) بينما الثقافة العالية تؤكد أن الإشكال القادم لشبابنا هو في صراع المفاهيم المختلفة على أقنوم واحد. أما قضية…

الحناء للرجال والكحل والورود أيضا

الإثنين ١٥ يونيو ٢٠٢٠

عندما قرأت هذه العبارة: «إن وردة جاكيت البدلة تعود إلى القرون الوسطى، عندما كان الجنود يحاربون في المعارك، تقوم زوجاتهم بجمع الورود من حديقة ما أو من فستان العرس نفسه، وتقوم بوضعها على الدرع الذي يرتديه أزواجهن، اعتقادا منهنّ أن هذه الأزهار تحميهم وترمز إلى حبهم الأبدي، وفي القرن السابع عشر بفرنسا، كان المدعوون الرجال يضعون هذه الوردة على القبعة، لإبعاد الحظ السيئ». عادت بي الذاكرة إلى 40 سنة للوراء، عند زيارة والدي لعمتي التي تستمهله قبل انصرافنا لتعدّ له -على عَجَل- قبضة من النباتات العطرية الموجودة قبالة منزلها الريفي، وتختار منها غصن ريحان صغيرا، يليق بالجيب العلوي لثوب والدي، ثم تقبلني وتعطيني باقة من النباتات العطرية المتنوعة في يدي كي أعطي والدتي، وما زالت هذه العادة الجنوبية يتحمس لها البعض، خصوصا يوم الجمعة، قبل الذهاب إلى الصلاة، فتعد لهم أمهاتهم وزوجاتهم «طيبا/ لفافة ورد وبرك وريحان» بحجم الجيب العلوي الصغير للثوب، كجزء من اكتمال الأناقة لكثير من أبناء جنوب غرب الجزيرة العربية. بالنسبة لاستخدام الكحل، فقد أخذ بُعدا أسطوريّا في قصة زرقاء اليمامة، إذ كانت ترى على مسيرة 3 أيام، وعندما اقتلعوا عينيها وجدوا عروقها مليئة بكحل يسمى الإثمد!، وما زال التهامي صاحب الإزار والقميص حتى هذه اللحظة يستخدم الكحل لتكتمل أناقته، ويقوى بصره. وقد ورد في أحاديث نبوية…

يا ديوجين اترك مصباحك وجدت عائشة

الأحد ١٧ مايو ٢٠٢٠

قرابة ربع القرن من الكتابة لا أظن أني أفردت مقالا لأجل إنسان، باستثناء القيادة السياسية التي أكتب عنها بحدين لا أزيد عنهما أو أنقص، أستعيد فيه ما كتبته عن خالد الفيصل عام 2009 كأحد رموز السلطة السياسية الكبار، وكيف أنه (قريب منا حد تلمس مشاكلنا، وبعيد عنا حد حفظ أنفتنا أن يكسرها بسطوة الحكم والإمارة)، فبين هذه وتلك كتبت، وما زلت أكتب، لم يردني فيها اتصال واحد يقول لي: أكتب عن كذا أو نمنعك عن كذا، قد أخرج من الملعب إلى دكة الاحتياط لبعض الوقت (شاكراً من وصفني بأني يوسف الثنيان في الفكر والثقافة، عاجزاً أن أكون سامي الجابر، وما زلت على عجزي يا صاحبي)، أعود دائماً إلى صفحة الرأي، ككاتب مجتهد. هذه المقدمة الموجزة لأسلط الضوء على مثقفة عسيرية، نشر لها نادي أبها برئاسة الأب الكبير محمد بن عبدالله الحميد -رحمه الله- ما (ربما) يعجز النادي الآن أن ينشر مثله ضد التزمت الديني، وهو كتاب (خلف أسوار الحرملك)، فالنوادي الأدبية كما سبق وأوضح أحد رؤسائها السابقين، محمد زايد الألمعي (لم تعد أندية، فقد أصبحت قطاعا في الوزارة، وليست مؤسسات مستقلة، ولم تعد أدبية فقد دشنها الأكاديميون مستراحاً ومنفذاً للفائض من درسهم الجامعي، وبدلاً من أن يدعوهم الأدباء لإثراء الأندية، أصبحوا هم يدعون الأدباء لتزيين منابرهم ببعض الإبداع، وشخصيا لم…

ملابس الصحوة للمدرسين

الأحد ٠٤ أغسطس ٢٠١٩

في (سوسيولوجيا المثقفين) يصف جيرار ليكلرك المثقف بأنه (هو الذي يتعامل مع الأفكار إنتاجا واستهلاكا وإعادة إنتاج وتوزيع سواء كانت أفكارا أدبية أو علمية فكرية أو أيديولوجية)، وبالمقابل نجد ماكس فيبر في كتابه (رجل العلم ورجل السياسة) يصف الأكاديميين بصفات مشغولة بمواضعات بيروقراطية وتقاليد تعري الأكاديمية فتجعلها سلطة أكثر منها معرفة، إذ يقول وأنقل هنا بتصرف لغرض الاختصار (إن أستاذ الجامعة الذي يظن في نفسه أنه الزعيم أو الملهم، لا يحق له ممارسة هذا الدور في المحاضرة، فأقصى حدوده الموضوعية في طرح الأفكار والمعلومات، وما عدا ذلك فعليه أن يجربه خارج قاعة الدرس، في الصحافة أو في الحزب أو أي تجمع بشري غير قاعة الدرس)، حيث يشير من طرف خفي إلى أن لا امتياز لأي زعامة مفترضة بين أستاذ وتلميذ لا يستطيع معارضته أو التذمر من آرائه الخاصة، ولهذا نجد أخلاقيات الطلاب البراجماتيين تراعي نفسية الدكتور ومزاجه أكثر من مراعاتها لمادته العلمية. لماذا كل هذه المقدمة؟ ببساطة لأن الأكاديمية عندنا في دول الخليج خصوصا عليها عبء ملء الفراغ الحاصل في إنتاج المعرفة الإنسانية المحسوبة كإنتاج أكاديمي رزين يحسب لأكاديميي (المشرق العربي)، والذي كان يملؤه أكاديميو العراق وبلاد الشام عموما ومصر، ومن خلال متابعتي المتواضعة لا أجد ما يكافئ الهمّ المعرفي الأكاديمي ومعاييره الصارمة التي يجدها المتابع والمهتم في دراسات وإنتاج…

الحرية ضد الكوليسترول

الإثنين ١٦ يناير ٢٠١٧

(الناس يولدون أحراراً)، عند التأمل في هذه العبارة نكتشف أنها عبارة ديماغوجية تصلح للجماهير، ولكنها ليست عبارة دقيقة تستطيع تفسير التناقضات الاجتماعية في معنى الحرية، فالناس يولدون بغرائز للحياة كأي نوع من الثديات، فيلتقم الطفل الثدي كمصدر للغذاء دون تعليم، ولا يدرك نفسه كذات إلا في مراحل متقدمة من طفولته مع أولى تأملاته في المرآة، بخلاف كثير من الثديات التي تنظر لنفسها في المرآة كأن صورتها شخص آخر. الحرية تمرين وليست حالة، فبتعقيدات الحضارة الإنسانية يجب أن نتجاوز المفاهيم القديمة لمعنى الحرية الذي يرتكز على معنى طبقي لم يعد موجودا في حضارتنا الإنسانية، فالحر حسب المعنى القديم هو عكس العبد، وهذا في معيار الحضارة الإنسانية الحديثة معنى بدائي بائد، بشكله الظاهر، ولكنه موجود بمعناه، لتصبح الحرية مفهوما يحتاج للتدريب والتمرين الذهني، كي لا يصبح الإنسان عبداً بشكل ما وهو لا يشعر، ولهذا كانت عبارة (العالم الحر) - وإن كانت من بقايا الحرب الباردة - التي يوصف بها العالم الأول عبارة موجعة وصادمة لنا كوصف تصنيفي جعلنا ضمن (العالم الثالث). الحرية تمرين وليست حالة ثابتة، فالشعوب التي تتهاون في رفع مستوى لياقتها للحرية تصاب بتصلب الشرايين والسكتة الدماغية، وقد تضطر لحرب أهلية تساعدها للوصول إلى المعنى الحديث لرفع مستوى لياقتها لتكون مؤهلة لمعنى الحرية، ورغم ذلك قد تنجح ولا تنجح. الحرية…

المثقف بين التكنوقراط والوعاظ

الإثنين ٢٦ سبتمبر ٢٠١٦

التكنوقراط ليس مثقفا بالضرورة، ولكنه يتقن قاموس المثقفين ليختبئ بينهم، وما أكثر المختبئين، وهنا إشكال يواجه المثقف في التعامل مع هؤلاء التكنوقراط من المثابرين الذين يتأبطون سيرة ذاتية مذهلة منذ دراستهم التمهيدية حتى حصولهم على أعلى الشهادات الأكاديمية، وما زالوا يمارسون عملهم الحكومي ونشاطهم الاجتماعي بنفس المثابرة والذكاء المدرسي، مختبئين في عباءة المثقف التكنوقراط، لكنهم عاجزون عن صناعة الفرق، ولهذا لا نستغرب غازي القصيبي، إذ كان استثناء بين الوزراء التكنوقراط، لأنه كان مثقفاً أولاً ثم تكنوقراط ثانياً، وفي تتبع سيرة حياته نجده يعيش حالة المثقف ليصبح دكتوقراط في وجه التكنوقراط، فيصفهم بالجمود والبيروقراطية، كان يحلل الظواهر السياسية والاجتماعية بصفته مثقفاً أولاً، لكنه يضع الحلول بصفته مزيجاً من كليهما، وهنا تتجلى التركيبة الخاصة لظاهرة غازي القصيبي. لماذا نصر على ضرورة الحد الأدنى من الحس الثقافي في صفوف التكنوقراط؟ لأن التكنوقراط يختبئ وسط المثقفين كأنه منهم، دون أن يمتلك حسهم، إذ تكمن أهمية المثقف في وجود الحس الإنساني والذكاء الاجتماعي الذي يحول بينه وبين الضحك ساخراً ممن يطلب مستشفى في مدينته البعيدة بنفس مواصفات مستشفى العاصمة، التكنوقراط يقهقه لأن مفاهيمه تستجلي الفجوة الإدارية والفنية بين الكلام والواقع فتحدث عنده مفارقة الضحك، بينما المثقف يشعر بالأسى والرغبة في المواساة، لأن مفاهيمه تستجلي الأمل الإنساني في ردم الهوة ما بين (يا ليت) والواقع. التكنوقراط…

الأمة الإسلامية بلغة القرون الوسطى

الإثنين ٠٥ سبتمبر ٢٠١٦

لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ أكثر من مئة عام وهذا السؤال يتكرر بصيغة (الغرب والمسلمون)، لأن السائل لم يدرك أن العالم لم يعد الغرب المسيحي في صراعه مع الشرق المسلم، فتلك القرون الوسطى انتهت، وبدأت لغة جديدة سقطت فيها الإمبراطوريات والملكيات التابعة للكنيسة بشكلها الكلاسيكي، فكل هذا حدث في الغرب وانتهى عصر الحروب الصليبية، لتبدأ معالم النهضة الأوروبية، والشرق العربي ما زال في وعيه القديم الذي لم يصح منه حتى سقطت (الخلافة العثمانية) ليفيق الشرق العربي على هذه الفجيعة كما رآها كثير من الناس آنذاك، وبدلاً من تلمس ميلادهم الخاص في أساليب حكم تتجاوز بتر الأعضاء وقطع الرؤوس فإذا بهم يستعيدون حمولتهم القديمة في الاستبداد ليستنبتوها عبر الأحكام السلطانية، وسايكس بيكو ليست شرا كلها، فكما كان دعم العثمانيين أيام عزهم لمارتن لوثر في ثورته ضد عنت الكنيسة، الذي تحول مع الوقت إلى مكسب فكري لكل أوروبا، فإن سايكس بيكو جعلتنا نعيش السؤال الوجودي في واقعنا العربي بشكل أكثر صرامة، فحربان عالميتان خاضتهما أوروبا لتنضج أكثر، ويبقى السؤال المفتوح: هو لماذا يظن البعض أن الديمقراطية بشرطها العلماني في الغرب أخرجت هتلر وموسوليني، ولم يتساءل صاحب هذه الظنون كيف تشافت ألمانيا وإيطاليا من هزائمهما بسرعة تفوق ما عجز العرب منذ أيام محمد علي حتى هذه اللحظة أن يحققوه، بل إن رزية اليابان…

اليمن بين فعل الثورة وافتعال الطائفية

الإثنين ٢٢ أغسطس ٢٠١٦

انطلقت الثورة اليمنية ضد الرئيس علي صالح مع ما سمي بالربيع العربي في 11 /2 /2011 علماً بأن الرئيس اليمني آنذاك ألقى كلمة أمام البرلمان قبيل ما سمي بتظاهرة يوم الغضب قال فيها: (لا للتمديد، لا للتوريث، ولا لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء)، واستعد وتنازل في حفل رسمي، ثم بدأت أكثر من لكن وجدها (المخلوع) في ثنايا الاتفاقيات التي طرحت كمخرج للواقع اليمني آنذاك. جاءت الفرصة المناسبة والمعقولة لزيارة اليمن بعد سنتين من هذه الكلمة، فوصلت مطار صنعاء في 22 /5 /2013، وعدت من صنعاء في 31 /5 /2013، كانت المفاجئة بالنسبة لي تكمن في المشاهدات واللقاءات، نقاط تفتيش في كل مكان، وكل من أتشرف بمعرفتهم من النخبة السياسية والثقافية ــــ التي يعرفها محمد زايد الألمعي أكثر مني ــــ تجنبت لقاءهم، كنت تقريباً مع انتجلنسيا خريجي جامعة صنعاء وشبيبة بعض الأحزاب المعارضة، أسمع لهذا عن دوره في تحذير الشباب وكشف مواقع قناصة المتظاهرين قبل سنتين، وأقرأ ما وزعه ذاك كمنشور ثوري أثناء المظاهرات، كان كل الشبيبة فخورين وسعداء كأنما الثورة بالأمس وليس قبل سنتين، رغم أن جولة صغيرة في شوارع صنعاء تكشف لك حجم المعاناة اليومية، لتجد الدكاكين ليلاً في وسط العاصمة تضاء بواسطة مولدات كهربائية صينية صغيرة، لكل دكان مولده الخاص للإضاءة، ويستمر البيع والشراء، وكل شيء عموماً معقول…

وجه أمي وزوجتي وابنتي هو وجهي.. فأين العورة؟

الأربعاء ١٧ ديسمبر ٢٠١٤

أين المرأة؟ لا أراها.. إنها نائبة وزارة وفي مجلس الشورى.. لكنها تخرج منهما باحثة عن محرم لها أو سائق أجنبي يوصلها للمنزل كأي قاصر صغير. إن ذكرتهم بزمن الصحابة والصحابيات، قالوا لك: لسنا في زمن الصحابة نحن في زمن الفتن، فتنظر حولك فلا ترى أكبر على الأمة الإسلامية من فتنة "داعش" والقاعدة وأشباههما، فتسألهم: هل تقصدون هؤلاء؟ فيقولون: نحن لا نقصد "المجاهدين" بل نقصد كشف المرأة لوجهها وقيادتها للسيارة، فتدرك أن الشق في عقولهم أكبر من أي حجة دامغة يأتي بها الحكماء وذوو الرأي والحلم على المستوى السياسي والفكري والاجتماعي، فما الحل؟ الحل هو تكرار ما فعله السعوديون قيادة وشعباً مع هؤلاء منذ تحريمهم لتعليم المرأة وصولا لتحريم اللاقط الفضائي وبينهما "جوال الباندا"، قليل من المجاملة والأخذ بالخاطر، مع ترك القافلة تسير نحو المستقبل، ولا بأس من ترضيتهم بالطريقة القديمة نفسها فيتم أخذ رأيهم المعروف سلفاً، وتذكيرهم أن رأيهم ليس وحياً من رب العالمين، وليسوا أنبياء من أولي العزم ليعزموا علينا بالتهديد والوعيد، بل هم مثلنا تماماً يجب عليهم من الاستغفار مثل ما يجب على أي مسلم فينا، وتبقى تجاعيد الزمن تحفر تاريخها الأكيد على ديدنهم في تكرار أخطائهم، ليكونوا نتاجاً لتاريخ طويل من عدم التواضع الديني، فالعاصي قد يعود إلى ربه، ولكن المتزمت في دينه كيف تريده أن يرى…