رضوان السيد
رضوان السيد
عميد الدراسات العليا بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية - أبوظبي

التلازم بين كراهية العرب وكراهية الإسلام

الجمعة ٢٦ يونيو ٢٠١٥

لا يصح اعتبار آراء الشاعر والكاتب السوري أدونيس (علي أحمد سعيد) نزعات فردية، بل هي حالة أو ظاهرة منذ عدة عقود، وهي تضم طيفًا عريضًا من المثقفين (العرب)، قرروا منذ زمنٍ بعيدٍ الانحياز إلى سلطات الجَور والطغيان في العالم العربي، ولأسبابٍ معقَّدة أهمها أربعة: الإحساس بالقلة والتفوق في الوقت ذاته تجاه الجمهور الأكثري - واعتبار الحكومات بعامة أكثر استنارة وأقلّ سوءًا من السواد الأعظم من الناس، وبخاصة إذا كانت تلك الحكومات تنتمي إلى قلة مختارة ومصطفاة - واعتبار العرب شعوبًا جاهلة رغم أنّ لغتهم عبقرية في الأصل - واعتبار أدونيس وهؤلاء المثقفين أن الإسلام دين مؤسَّس على العنف لأنّ فيه أكثرية سنية متجمدة على القديم وتأبى العقل والمنطق وتؤمن بالقوة. وهذا الأمر ليس ثابتًا من خلال الفتوحات وانتشار الإسلام بالسيف فقط؛ بل هو ثابتٌ أيضًا من خلال تولية أبي بكر في السقيفة! أدونيس يقول هذا الكلام في كل مناسبة منذ نحو الخمسين عامًا. وخلال العقود الأربعة الماضية، انضمّ إلى رأيه هذا عشرات المثقفين العرب لأسبابٍ مختلفة بعضها سياسي وآيديولوجي عام، وبعضها – كما في حالة أدونيس – يتخذ طابعًا إثنيًا وعُظاميًا. وإذا كان هذا الكلام من جهته معتادًا، فلماذا العودة إليه الآن؟ لقد رأيتُ العودة للكتابة عنه لأنه نشر مقابلة مطوَّلة في بعض الصحف اللبنانية أخيرًا. وقد تناغمت تلك المقابلة…

{جنيف} اليمني و{جنيف} السوري!

الجمعة ١٩ يونيو ٢٠١٥

ذهب وفد السلطة الشرعية اليمنية إلى جنيف للاجتماع إلى الحوثيين وأنصار صالح، كما سبق للمعارضة السورية أن ذهبت إلى جنيف قبل ثلاث سنواتٍ للقاء وفد النظام الذي كان مسيطرًا يومها في البلاد. لكنْ هناك فروقٌ ضخمة بين الحالتين: فالسلطة الشرعية اليمنية بيدها قرار من مجلس الأمن، يعتبر الحوثيين والعفّاشيين متمردين على الشرعية، ويطلبُ منهم الخروجَ من المدن، وإعادة السلاح أو عدم استخدامه ضد الناس. وبالطبع، ورغم أنّ مجلس الأمن وضع قراره تحت الفصل السابع؛ فإنّ الأمم المتحدة ما أُرسلت قواتٍ لا للتنفيذ ولا للفصل بين المتقاتلين وحماية المدنيين. ولذلك، وبحسب منطوق القرار؛ فإنّ قوات عاصفة الحزم هي المكلَّفة أو التي صارت مكلّفة إنفاذ قرار مجلس الأمن. لماذا قبلت الحكومة الشرعية إذن بالذهاب إلى جنيف؟ لسببين: الضغط من جانب الأمين العام للأُمم المتحدة ومن المؤسسات الدولية الإنسانية، ولأنّ الحكومة الشرعية مهتمة بالفعل بأمن المواطنين اليمنيين وسلامهم. فقبل مدة أقرت هدنة لخمسة أيامٍ تحت وطأة الإلحاح الدولي والاحتياجات الإنسانية أيضًا، وما نفع شيء من ذلك، بل زادت الأُمور سوءًا. لأنّ الحوثيين والعفّاشيين استغلُّوا الهدنة لنقل السلاح والذخائر والمقاتلين؛ فازدادت أوضاع تعز وعدن سوءًا، وأثّر ذلك في قوة المقاومة، وفي قدرتها على الإفراج عن محافظات الجنوب والوسط. عندما ذهبت المعارضة السورية إلى جنيف قبل ثلاث سنوات، كانت في موقع قوة، وذلك لأنّ روسيا…

السفارة في العمارة.. إيران والحزب ومستقبل سوريا

الجمعة ٢٩ مايو ٢٠١٥

ثلاثة خطابات متوالية، قتالية النزعة، أنعم بها الأمين العام لحزب الله على حزبه وعلى الطائفة الشيعية وعلى اللبنانيين والسوريين. ومؤدَّاها أنه مستعدٌّ للقتال في كل مكانٍ، ولو أدى ذلك لهلاك نصف الطائفة الشيعية أو ثلاثة أرباعها من أجل الحياة الحرة والكريمة (!). لكنه وهو يقاتل من أجل الحياة الكريمة هذه (يعني هل هو ذليلٌ الآن؟!) توعَّد فئاتٌ من شبان الطائفة الشيعية وكهولها سمّاهم: «شيعة السفارة» الأميركية في بيروت، بالويل والثبور وعظائم الأمور. فحبكت معي النكتة، وتذكرتُ فيلمًا لعادل إمام اسمه: «السفارة في العمارة»، عن المشكلات التي تعرض لها رجل مصري اكتشف أنه يسكن في عمارةٍ بالقاهرة استأجرت فيها أيضا السفارة الإسرائيلية بعد اتفاق كامب ديفيد. لقد دخلت السفارة إذن إلى قلب الطائفة، ونصر الله يهدد الذين يعارضونه من الشيعة بالاستئصال باعتبار أنهم جواسيس للولايات المتحدة، التي تجهد إيران من سنوات لعقد اتفاق معها حول كل شيء وليس حول النووي فقط! إنما إيران في نظر الأمين العام للحزب فوق الشك والمساءلة، أمّا كل الآخرين فهم كما يقول اللبنانيون تحت الغربال. يقيم نصر الله تقديره بأنّ الحرب طويلة، وأنها يمكن أن تُفني نصف الطائفة الشيعية، على أمرين اثنين: أنّ أميركا متآمرة على إيران وعلى المقاومة وعلى الإسلام، وأنّ السعودية وقطر وتركيا اتفقت على العمل معًا ضد إيران والحزب في سوريا والعراق. وإذا…

من العواصم الأربع إلى تلّة موسى!

السبت ٢٣ مايو ٢٠١٥

كلما انتكس النظام السوري في معركة أو مكان، يجد الإيرانيون وحزب الله أنفسهم مندفعين لنُصرته وتقوية معنوياته بقدر ما يستطيعون وما لا يستطيعون! وقد أُضيفت إلى هموم ومصائر الأسد، هموم النظام الفاشل الذي أقاموه بالعراق - وهموم نُصرة الحوثي الذي كان رأْيُهُمْ أولاً أن ينفصل بإقليم، وأن يسيطر مثل حزب الله على مفاصل النظام من داخله، قبل أن يغرَّهُ علي عبد الله صالح للانتقام من آل الأحمر، ومن جنوب اليمن! بعد الوفود المتوالية والمتتالية سرًا وعلنًا إلى سوريا والعراق ولبنان واليمن، وتصريحاتها العنترية بشأن الانتصار الإلهي والإيراني والشيعي، وجد خامنئي نفسَه مضطرًا للتذكير بالمبدأ الأصلي المضمَّخ بقداسة الخميني، فتحدث من جديد عن «تصدير الثورة». والمفهوم من «تصدير الثورة» كما تجلّى ذلك خلال عقدين وأكثر، تحريض «الشعوب» على مقاتلة الولايات المتحدة وإسرائيل، وتحريض تلك «الشعوب» الغفورة والغفيرة على أنظمتها (طبعًا باستثناء النظام السوري حليف الثورة الإسلامية منذ قيامها!). وقد كانت لهذه السياسات نتائج كارثية على العرب والبلدان المجاورة بعامة، وعلى إيران أيضًا. لقد استترت «الثورة» في البداية بحرب صدّام عليها، ودعم العرب له. ثم استترت بالنضال من أجل فلسطين. ثم فجرت بالإعانة في مكافحة الإرهاب. ثم ما لبثت أن انكشفت بالاستيلاء على البلدان وتخريبها، ونشر الطائفية والمذهبية فيها. وهي تفعل ذلك عَلَنًا منذ استيلاء الأميركيين على العراق عام 2003، وتسليمه إلى…

حرب القلمون التي لن تقع!

الجمعة ١٥ مايو ٢٠١٥

قبل شهرين وأكثر بشّرنا الأمين العام لحزب الله بأنه ذاهبٌ إلى حربٍ كاسحة بمنطقة القلمون السورية على الحدود مع لبنان لتثبيت المشهد الاستراتيجي الذي لا يزال لصالحه في ما بين ظهر البيدر وممر خيبر (!). وقتَها ما خاض نصر الله حربه بسبب كثافة الثلوج كما قال، لكنه وعلى مدى الأسابيع الماضية ظلَّ يقوم باستعراضات عسكرية علنية حاشدًا السيارات المصفحة والمدفعية والشبان من بيروت وإلى حدود منطقة القلمون. وفي آخِر خطاباته قبل أسبوع أنكر - متظاهرًا بالمزاح والراحة - أن يكون قد حدَّد موعدًا للمعركة. لكنه أصرَّ على أنها واقعةٌ حتمًا. ولمن لا يعلم فإنّ منطقة القلمون السورية على امتداد سلسلة جبال لبنان الشرقية، هي منطقةٌ جبلية تضم عشرات القرى والبلدات، وكان فيها عام 2011 نحو نصف مليون نسمة، لكنّ سكانها اليوم لا يزيد عددهم على مائة وخمسين ألفًا بعد أن تعرضوا للقتل والتهجير من جانب حزب الله أولاً، ثم من طيران النظام السوري ومدفعيته ثانيًا. في عامَي 2011 و2012 انحسرت سلطة النظام السوري عن معظم الريف في شتى الأنحاء. وفي كل مكان حلّت محلَّ مراكز النظام العسكرية والأمنية جماعات محلية مسلَّحة من أهل تلك القرى. وقد قررت إيران أواخر عام 2012 التدخل للحيلولة دون سقوط النظام، واختارت البدء بالمناطق الحدودية مع شرق لبنان وشماله الشرقي حيث معظم القرى من الجهة…

لبنان و«حزب الله» والمصائر!

الأحد ١٢ أبريل ٢٠١٥

منذ مقتل الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وانسحاب الجيش السوري من لبنان في العام ذاته، اعتبر "حزب الله" نفسه وريثاً لنظام الغَلَبة السوري. وقد حاول الحزب الوصول للاستيلاء بعدة وسائل: أول هذه الوسائل الانتخابات النيابية عام 2005. وقد فشل في الحصول على الأكثرية فيها. ولذلك فقد التفت إلى الغَلَبة في الحكومة وعليها بعدة وسائل أيضاً: خروج الوزراء الشيعة جميعاً من الحكومة بحيث اعتبر نبيه بري رئيس مجلس النواب أنّ الحكومة ما عادت ميثاقية(!) رغم وجود أكثرية في مجلس النواب المنتَخَب داعمة للحكومة. وحسبْنا وقتها أنّ السبب في ذلك منع الحكومة من إقرار المحكمة الدولية لمحاكمة قَتَلَة الرئيس الحريري. وترجَّح لدينا هذا الظنّ بإقدام نبيه بري على إقفال مجلس النواب لثمانية عشر شهراً لمنْع الأكثرية من الاجتماع واتخاذ أي قرار بما في ذلك إقرار الموازنة، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انقضاء التمديد للجنرال لحود الذي أرغم عليه السوريون عام 2004. وعندما تعذّر عليهم إسقاط الحكومة، عمدوا لاحتلال بيروت بالسلاح بعد محاصرة السراي الحكومي لعامٍ ونصف العام. وهو الاحتلال الذي شاركت فيه إلى جانب ميليشيا الحزب ميليشيات نبيه بري والحزب السوري القومي وميليشيات أصغَر بعضُها لسياسيين سنة "ودروز"، زودهم الحزب بالسلاح والمال. ومعروفٌ ما حصل بعد ذلك. فقد ذهب الجميع للدوحة بقطَر، وجرى اتفاق سياسي وأمني (يشبه اتفاق السلم والشراكة الذي أرغم…

وهم المواجهة.. ووهم اجتناب الأذى!

الجمعة ٢٠ مارس ٢٠١٥

يدخل اليمن، وندخل معه نحن عرب المشرق والخليج، في أزمة طاحنة هي الرابعة أو الخامسة خلال السنوات الخمس الماضية. وهي أزمة لها أربعة مظاهر: تفكك الدول والمجتمعات، وعجز دول المجموعة العربية على وجه الانفراد أو الثنائية أو الاجتماع عن اجتراح تدخل شامل للتوقي فالعلاج، واستشراء التدخل الإقليمي والدولي، وتفاقم التطرف والعنف باسم الدين. وقد فكرت طويلا في ترتيب مظاهر الظاهرة الهائلة هذه من حيث البروز والأهمية حتى ارتأيت هذا الترتيب السالف الذكر. فالتفكك هو الأبرز بالفعل، كما ظهر في بدايات حركات التغيير في عام 2011، فقد أصرّ معظم الذين تحركت شعوبهم ضدهم على المواجهة حتى النهاية من مثل النظامين السوري والعراقي، والنظام الليبي. وما اعتنى أي من هؤلاء بالحيلولة دون الخراب والتخريب الناجمين عن الاستخدام المفرط للعنف. وفي الوقت ذاته، فإن القوى المجتمعية التي تحركت ما استطاعت أو ما أرادت الوصول إلى قواسم مشتركة في ما بينها قبل الحديث عن القواسم المشتركة مع النظام الذي ثارت عليه. ومنذ البداية غلبت وجوه الوعي المحلي والإثني والمذهبي، التي واجهتها الأنظمة بالعنف والتدمير والتهجير. ولذا يمكن الحديث منذ نهايات عام 2011 عن واقعتين متلازمتين: الديكتاتورية المفرطة والقاتلة كأنما الحاكم مستعمر أجنبي، وفي المقابل مسارات متسارعة باتجاه النزاعات التي تشبه الحروب الأهلية. كيف واجه العقل السياسي العربي هذا الأمر؟ لقد جرت مواجهة الظاهرة بالأشكال…

الميليشيات الإيرانية والمواجهة الحتمية!

الأحد ١٨ يناير ٢٠١٥

على وقع هجمات الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني على مملكة البحرين، سارعت دول مجلس التعاوُن الخليجي لاستدعاء سفراء لبنان لدى عواصمها، موجِّهةً تحذيراً للحزب وللإدارة اللبنانية أن تتحرك صوناً لمصالحها وأمْن أشقائها. وموقف مجلس التعاون هذا حتى في مسألة البحرين، جديدٌ نسبياً. فقليلاً ما كانت دول الخليج تهتم لصراخ الميليشيات الإيرانية من حولها، مرةً من أجل «المظلومية» الشيعية، ومرة أُخرى من أجل الممانعة والمقاومة، وفي الفترة الأخيرة من أجل مكافحة الإرهابيين والتكفيريين! أما موقف الأمين العام لـ«حزب الله»، فهو جديدٌ وليس جديداً. فدعاوى المظلومية والمقاومة والتكفير تتكرر منذ سنوات. أما الجديد فهو المقارنة بين إجراءات حكومة البحرين والسياسات الصهيونية تجاه الاستيطان والفلسطينيين! وهذه دعوى خارجة عن الحدّ، لكنها ليست جديدةً تماماً في سياق تصرفات «حزب الله» في لبنان وسوريا والعراق واليمن: الاستيلاء على الأرض والمؤسسات بالسلاح، وتهديد من يشكل خطراً على المشروع الإيراني، وادعاء تمثيل المجتمعات في مواجهة الدول، والتساوم مع الأميركيين والإسرائيليين مقابل هذا أو ذاك من الأمور! كيف حصل هذا التغول، ولماذا استطاع الاستمرار؟ حصل في البداية نتيجة اعتبار ولاية الفقيه الإيرانية ولياً لأمر الشيعة في العالم من جهة، ومساعدة شيعة لبنان على مواجهة إسرائيل، باعتبار أنّ الجيش اللبناني لا يستطيع ذلك. وفي النهاية أقام الحزب دولةً داخل الدولة، مستعيناً بالقوة المسلَّحة عن ادعاء حمل السلاح في مواجهة…

أعباء الانهيارات ومسؤوليات النهوض

الجمعة ١٦ يناير ٢٠١٥

قرأت قبل أيام في «الشرق الأوسط» مقالة للأستاذ سمير عطا الله يذكر فيها أن أكبر أعطاب نخب هذه الأمة هو الإنكار، أي عدم الاعتراف بالوقائع أو الارتكابات، وبالتالي عدم تقدير عواقبها. كان الأستاذ عطا الله يتحدث في معرض آخر، أما الذي استدعى الاستشهاد به فهو الحدث الباريسي، ثم الحدث اللبناني، وقبل ذلك أحداث العراق وسوريا وليبيا واليمن، وغيرها، على مدى العقدين الماضيين، وبخاصة بعد التاريخين اللذين لن ينسيا (عام 2001، وعام 2011). هناك داء عياء استشرى بداخل الدين. وقد استشرفت معالمه وأعراضه في أحداث أفغانستان أواخر الثمانينات، وأحداث انتخابات الجزائر آنذاك، ومظاهرات الاحتجاج على ضرب العراق 1990 - 1991. في أفغانستان خرج الروس، لكن «المجاهدين» اصطرعوا على السلطة في البلد الخرب، والعرب من بينهم بدأوا التشاور بشأن نقل «الجهاد» إلى موطن آخر بعد أن «تحررت» أفغانستان. وفي الجزائر فاز الإسلاميون في الانتخابات، ومع ذلك فإن علي بلحاج ظل على إصراره بأن الديمقراطية كفر، وأنه يملك تصورا إلهيا تفصيليا لإقامة الدولة الإسلامية! وفي المظاهرات المليونية ضد ضرب الدوليين للعراق لإخراجه من الكويت، خالط استنكارات الضربة الاستغاثة لإنقاذ الدين، وإقامة الدولة الإسلامية الحامية. ولا حاجة لاستدعاء أحداث التسعينات والعقد الأول من هذا القرن، فهي من الكثرة بحيث تكاد تستعصي على الحصر. وكلها يبرز منها وفيها أمران: استخدام العنف الأعمى ضد مجتمعاتنا ودولنا،…

هل تتغير طبيعة الدين؟!

الجمعة ٠٢ يناير ٢٠١٥

عادت الصحف الأميركية والأوروبية لبحث أسباب قوة «داعش»، وأسرار جاذبيته في أوساط شبان العرب والمسلمين في بلدانهم وفي المهاجر. وهذه العودة أو الرجعة تشبه ما كان الاستراتيجيون ومسؤولو الدول الغربية قد صاروا إليه في عامي 2004 و2005.. يومها ذهب رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي في فترة بوش الأولى، إلى ضرورة شن «حرب أفكار» على «القاعدة» وبناتها، باعتبار أن الحروب العسكرية على الإرهاب ليست كافية للقضاء على الظاهرة. ومثل هذا النقاش يعود الآن للجريان والسريان؛ إذ بعد قرابة الستة أشهر من الحرب العالمية على إرهاب «داعش»، ما بدا أن تنظيم الدولة قد ضعف، كما أن جاذبيته ما تراجعت لدى مقاتليه أو لدى متابعيه والمنجذبين نحوه على وسائل التواصل. ما سر قوة «داعش» المعنوية وليس المادية؟ القوة المادية للتنظيم والتنظيمات المشابهة مثل «حزب الله» اللبناني معروفة؛ فلدى «داعش» موارد مادية كبيرة من حقول النفط والغاز التي استولى عليها، ومن وسائل الابتزاز والفدية، ومن استغلال المحاصيل في النواحي التي سيطر عليها، ومما استولى عليه من موارد الدول في سوريا والعراق. والموارد المادية هذه يمكن إضعافها إلى حد كبير، كما حصل في قصة «تجفيف منابع وموارد الإرهاب»، طوال عقد ونصف العقد. أما التنظيمات الشيعية؛ وأبرزها «حزب الله»، فإن مواردها من إيران، ومما استولت وتستولي عليه في البلدان التي تسيطر فيها. وهذه الموارد يمكن إضعافها أيضا،…

معنى التطرف في الدين ومعنى الاعتدال!

السبت ٢٧ ديسمبر ٢٠١٤

جاء رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني إلى دمشق، حيث أعلن عن دعم الجمهورية الإسلامية للرئيس السوري والخيارات الديمقراطية للشعب السوري! أما في لبنان فقد أعلن لاريجاني - قبل اجتماعه برئيس وزراء لبنان تمام سلام، أن بعض التنظيمات مثل حماس و«حزب الله» هي أكثر فاعلية من الدول بمؤسساتها. وهو ذاهب إلى العراق، حيث سيعلن من بغداد - فيما أرى - أن معركة العراق هي ضد الإرهاب، وأن «الحشد الشعبي» الشيعي هو الأفعل ولا شك في المعركة الدائرة! وكان أحد نواب المجلس الذي يترأسه لاريجاني قد قال قبل عدة أشهر، وعلى أثر دخول الحوثيين إلى صنعاء ومدن أخرى باليمن، إن «الثورة» (الإيرانية) انتصرت في أربع عواصم عربية هي: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء! في ضوء تصريحات لاريجاني ونوابه فإن «الثورة» المنتصرة على أربع عواصم عربية تعني التنظيمات الشيعية المسلحة التي تدعمها الدولة الإيرانية، ويقودها الجنرال سليماني. أما الحديث في هذا السياق عن الرئيس الأسد وخيارات الشعب السوري (الديمقراطية)؛ فإنها تعني أن السوريين المساكين الذين قتل منهم ربع المليون، وأصيب مليون، وتهجر بالداخل السوري والخارج زهاء العشرة ملايين، هؤلاء جميعا هم الذين اختاروا النظام القاتل ديمقراطيا لكي يفعل بهم وببلادهم ذلك! إن هذا كله يجري وسط حديث متصاعد من جانب دي ميستورا والأسد وبوغدانوف وإيران عن حل «سياسي» بسوريا يقتضي التوحد في وجه التطرف…

مؤتمر الأزهر لمواجهة التطرف

الأحد ٠٧ ديسمبر ٢٠١٤

انعقد في الأزهر بمصر خلال يومي الرابع والخامس من ديسمبر الجاري مؤتمرٌ لمواجهة التطرف والإرهاب، وكان الجديد فيه شمولَه الكبير؛ فقد حضرته وفودٌ من 120 دولة، تنتمي للمؤسسات الدينية الإسلامية، لكنْ حضرته أيضاً وفودٌ من مسيحيي الدول العربية، وآخرين من المسيحيات العالمية. في اليوم الأول، كانت هناك جلسة افتتاحيةٌ تحدث فيها شيخ الأزهر وبابا الأقباط، ثم ممثلو الوفود الكبرى. شيخ الأزهر ذهب في كلمته الجامعة لمعالجة مشكلات أربع: قضية التطرف الديني التي تقود للتكفير والعنف، وقضية الزعم بأنّ الخلافة والإمامة ركنٌ من أركان الدين، وقضية العلاقة بالمسيحيين والأديان الأُخرى. وقضية العيش الوطني المشترك، والمواطنة وحقوقها وواجباتها، وقال إنّ هدفه من المؤتمر التصدي لتحريف المفاهيم الأساسية في الدين، مثل الإيمان والكفر والجهاد، ومسائل علاقة الدين بالدولة، ففي كل هذه القضايا كانت هناك تشويهات أدَّت إلى ظهور التطرف واستخدام العنف تجاه المسلمين الآخرين، وتجاه المسيحيين، وتجاه العالم كُلّه. وعلى المسلمين مسؤولياتٌ كبرى، لأن الانفجار حاصل في دينهم، ولأنهم أول المتضررين من ذلك، ولأن خراباً في البلدان والمجتمعات حدث ويحدث، ولأنّ شركاء المسلمين في العيش تأثروا كثيراً بذلك. وأخيراً، لأن الإسلام تضرر نتيجة هذه الأفاعيل، وأرجع شيخ الأزهر ظاهرة التطرف والعنف إلى ثلاثة أسباب: التدخل الخارجي الدولي بغزو العراق، والتدخل الإقليمي، حيث يُقتل العربُ في ديارهم من الآخرين، وتشويهات المفاهيم التي اجتذبت أعداداً…