عبدالله المطيري
عبدالله المطيري
كاتب سعودي مهتم بقضايا الفكر والفلسفة والحريات وحقوق الإنسان

أخلاق الاجتماع ونمو الأطفال

آراء

موضوع هذه المقالة هو النمو الأخلاقي للأطفال. هذا النمو قد تتم دراسته من منظور علم النفس ولكن هذا ليس المنظور هنا. ما يهمني هنا هو دراسة النمو الأخلاقي للأطفال وعلاقته بحقوق الطفل ومفهوم العدالة في المجتمع. بمعنى ما هي السمات الأخلاقية التي تساعد الأطفال على العيش والحفاظ على العدالة في المجتمع.

المقالة السابقة تحدثت عن أخلاق الأسرة، أو النمو الأخلاقي الذي يتحقق للطفل من خلال العيش مع أسرته. الأسرة يمكن أن تقدم معنيين جوهريين للطفل: أن السلطة قد تتأسس على حب وأن السلطة مطالبة بتشريع نفسها باستمرار. الأم والأب لديهما سلطة على أطفالهما ويمكن أن يقدما نموذجا لتأسس هذه السلطة على حقيقة أنهما يحبان أطفالهما. الحب بالتأكيد لا يكفي فقد يكون مجرد عاطفة غير واعية، ولذا كانت مسؤولية التشريع المستمر ضابطا لاحتمال عشوائية عاطفة الحب. الأهل مطالبون بتبرير سلوكهم، وهذا يعني تقدير قدرة طفلهم على الفهم والحوار وكذلك ضرورة وجود انتظام كاف للقوانين التي يمارسون من خلالها التربية. هذا كله يساعدنا على توقع طفل مستعد نفسيا وأخلاقيا أن يحترم السلطة ويطالبها بالعدالة باستمرار.

الآن، الطفل يكبر ويخرج عن إطار أسرته إلى أطر اجتماعية أكبر. جماعة الأصدقاء، الأقارب، زملاء المدرسة، زملاء اللعب كلها مجموعات إضافية يعيش من خلالها الطفل وتؤثر بشكل رئيس في نموه الذهني والأخلاقي. السؤال هنا: كيف يمكن أن تؤدي العلاقات في هذه الجماعات إلى نمو نفسي وأخلاقي يهيئ الطفل أن يكون فردا يحترم ويطبق العدالة في المجتمع؟ العدالة هنا ينظر لها على أنها احترام حريات الآخرين وكرامتهم الإنسانية وحقهم المتساوي في العيش الكريم. هذا السؤال أيضا يتضمن الوجه المعاكس وهو: كيف يمكن أن تفسد هذه العلاقات قدرة الفرد على الانصياع للقانون العادل ورعاية العدالة في المجتمع؟ أي كيف يمكن أن تجعله فاعلا في اتجاه رفع معدلات الظلم في المجتمع؟

النقلة الجوهرية التي تحدث مع الانتقال للعلاقات الاجتماعية خارج الأسرة أن الطفل يلتقي بمن هم مساوون له. في الأسرة هناك أب وأم يختلفان عنه، ولكن مع أصحابه العلاقة تتأسس على التساوي. الطفل الذي له إخوة وأخوات قد يتعرف على علاقة المساواة داخل الأسرة وإن كانت التراتبية بين الأطفال أخ أكبر/ أخ أصغر، ابن/ بنت قد تحجب ذلك. العلاقة مع الأقران تجربة مهمة جدا لأنها من أوائل الاختبارات لحس العدالة. الطفل أمام خيارين جوهريين إما أن يبدأ بتعلّم كيف ينظر للأمور من منظار الآخرين شركائه في اللعب، ويصل معهم إلى اتفاقيات مرضية للجميع وتعمل على استمرار العلاقة، أو أن يبدأ بتعلم قانون الغلبة وإخضاع الآخرين متى استطاع لإرادته الخاصة. طبعا لا بد أن نتذكر أن علاقات الأطفال غالبا ما تدار وتراقب من الكبار. الأهالي في اللعب، المعلمات والمعلمون في المدرسة وهكذا.

التربية التي يمكن أن تؤدي إلى طفل قادر على العيش مع الآخرين بعدالة واحترام هي تلك التي تساعد الأطفال على أن يرى كل منهم الآخر على أنه شريك له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات وأن العلاقة بينهم هي علاقة تعاون لا علاقة غلبة وقهر. الاستعداد الذهني لهذه القدرة يتحقق في اللعب، حيث يتدرب الطفل على النظر للأمور من منظور الآخرين وبالتالي توقع سلوكهم وردات فعلهم. الطفل يعرف بهذه الطريقة ما الذي سيغضب زميلته وما الذي سيجرح مشاعرها ليتجنبه. كذلك هذا الطفل يتوقع منها الموقف ذاته باعتبار أنه لا يراها أعلى ولا أدنى منه في الشعور والإحساس. كذلك من المشاعر المهمة لتأسيس أخلاق العدالة الاجتماعية الشعور بالخجل وتأنيب الضمير وتوجيه اللوم. هذه المشاعر يمكن أن تعمل كروادع لنزعات استباحة الآخرين واقتحام حقوقهم. الطفلة التي تشعر بالخجل لأنها أهانت صديقتها والأم التي تؤنب طفلها لسلوكه الأناني علامات جوهرية على عدالة المجتمع.

في المقابل قد يدفع المجتمع باتجاه إفساد النمو الأخلاقي عند الأطفال من خلال إفساد طبيعة العلاقات التي تجمعهم. مثلا المدرسة التي لا تحترم حقوق الأطفال وتعطي مصمم المقرر الدراسي أو المعلم صلاحيات لا تحترم حريات الأطفال تؤسس نموذجا غير عادل لهؤلاء الأطفال. كذلك المدرسة التي تتساهل مع التمييزات العرقية والمذهبية والطبقية والجنسية تدفع الأطفال باتجاه علاقات الغلبة لا علاقات التعاون. الأهالي الذين يربون أطفالهم على أن البشر ليسوا سواء، وأن هناك جماعات من البشر يمكن أن نحكم عليهم دون أن نعرفهم وأنهم يستحقون أقل مما نستحق، تفسد نمو أطفالها الأخلاقي. المجتمع وأنظمته التي تعطي المرأة حقوقا أقل من الرجل تفسد قدرة أطفالها على التعامل الأخلاقي مع النساء في المستقبل.

في أميركا لاحظت كثيرا في أماكن لعب الأطفال أن الأطفال يستخدمون هذا التعبير عند اعتراضاتهم على سلوك من يلعب معهم That is not fair “هذا ليس عادلا” وكأنهم يطالبون بتحقيق العدالة. كذلك حين يتجاوز طفلك على الآخرين فإن العيون تتوجه إليك للتدخل والتعديل وكأن هناك طلبا اجتماعيا قويا على الأهل أن يبقوا سلوك طفلهم في حدود العدل مع الآخرين. العدل هنا مفهوم باعتبار أن سلوك الطفل في اللعب لا يؤدي لمنع طفل آخر من اللعب. في المقابل حين تختفي هذه التوقعات فإن الأهالي والأطفال يفقدون الأمل في العدالة ويلجؤون إلى العبارة التي سمعناها كثيرا وهي “اضرب اللي ضربك” أو “خذ حقك بيدك” بمعنى أن نطلب من الطفل الدخول في علاقات القوة والغلبة، حيث لا يحفظ التوازن بين الناس معيار العدالة بل معيار القوة الذي يعني بالتأكيد سحق الضعفاء واستئثار الأقوياء. ولذا فإن من علامات العدالة في المجتمع وبالتالي النمو الأخلاقي لأفراده هو وجود الأطفال الذين لا تنصفهم معايير القوة، أي الأطفال الذين ينتمون للأقليات أو الذين لا يتمتعون بقدرات جسدية أو ذهنية عالية. وجود هؤلاء في المجال العام بشكل يحفظ لهم كرامتهم علامة على العدالة. اختفاؤهم من المجال العام علامة على الظلم.

المصدر: الوطن أون لاين
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=24492