عبدالله المطيري
عبدالله المطيري
كاتب سعودي مهتم بقضايا الفكر والفلسفة والحريات وحقوق الإنسان

في التفكير النقدي

الأربعاء ٢٢ فبراير ٢٠١٧

تعقد حلقة الرياض الفلسفية هذه الأيام «سمنارا» عن التفكير النقدي، لذا أجدها مناسبة لنقل النقاش لمساحات عمومية أوسع هنا. الصديق شتيوي الغيثي كان قد افتتح هذا النقاش عمليا هنا في «الوطن» في مقالته الأسبوع الماضي بعنوان «التفكير النقدي والتفكير الخطابي». أحد الأسئلة المتوقعة والمهمة هو سؤال لماذا التفكير النقدي؟ أو ما الذي يجعل من التفكير النقدي مهارة تستحق الاكتساب؟ يمكن الجواب على هذا السؤال من وجهات نظر مختلفة، يمكن مثلا أن نوضح الضرورة «الأبستمولوجيا» للتفكير النقدي، باعتباره شرطا ضروريا لاكتساب وإنتاج المعرفة.  كذلك يمكن أن نقدم الأطروحة الأخلاقية من خلال التركيز على العلاقة الضرورية بين التفكير النقدي والعدالة. نلاحظ هنا أن أمل العدالة كله مرتبط بقدرة صاحب القرار، المشرّع أو القاضي على التمييز بين الحجة الصحيحة والحجة غير الصحيحة. هذه المهارة تحديدا هي ما يعتني به التفكير النقدي أو المنطق التطبيقي، وما سأتحدث عنه اليوم هو محاولة وصف للواقع الذي نعيشه اليوم، والذي يجعل من التفكير النقدي أكثر أهمية. هذا الواقع متميز لارتباطه بالثورة التكنولوجية التي جعلت من استقبالنا للرسائل غير مسبوق كما وكيفا. التفكير النقدي يقوم على واقع أن كل منا يواجه محاولات متعددة للدفع به للقيام بأشياء مختلفة. التاجر يحاول الدفع بنا لشراء بضاعته، السياسي يحاول الدفع بنا إلى تنفيذ سياساته، الآخرون في علاقاتنا المباشرة يريدوننا أن نفعل…

الفلسفة وسؤال الأخلاق

الأربعاء ٣٠ نوفمبر ٢٠١٦

في السعودية هناك سؤال مؤرق يطارد كثيرا من المشتغلين بالفلسفة، وهو: لماذا الفلسفة؟ وكأن الفلسفة مطالبة بتبرير وجودها. شخصيا أقبل هذا السؤال وأعتقد أن كل علم مطالب بتبرير وجوده. التبرير الذي أعنيه هنا هو ما يكشف حضور الآخر في اشتغال الذات. أعني بذلك أن يكون للعلم بعد جماعي ولا يعبر عن اشتغال أناني. شخصيا أعتقد أن أحد القيم الأساسية في البحث الفلسفي هي قيمة الاشتغال بالأخلاق. في جمهورية أفلاطون يحضر سؤال ما العدالة كسؤال محوري للمحاورة. ما العدل؟ ما الحق وما الخير؟ كان سقراط يريد فتح هذه الأسئلة في بيئة مشبعة بالإجابات. يتميز المبحث الأخلاقي أنه مشغول بمجال لا يحتمل اللاأدرية. المجال الأخلاقي مجال عملي مرتبط بالإرادة بشكل مباشر. في كل يوم يتخذ الإنسان بالضرورة قرارات ومواقف تتعلق بعلاقته بالآخرين. هذه القرارات لا يمكن تجنبها، فهي جزء من ضرورات الحياة، وبالتالي فلا مفر من سؤال الأخلاق، كما أن الساحة الاجتماعية لا يمكن أن تخلو من الإجابات المتعلقة بأسئلة الأخلاق. سقراط كان يريد مقاومة الإجابات السائدة وآثارها على الناس من خلال الفلسفة، من خلال البحث الفلسفي المشغول بالتصورات الأولية للمفاهيم والعلاقات التي تربط الأفكار. كل مجتمع مليء بالضرورة بالأطروحات الأخلاقية أو الأطروحات التي تجيب عن الأسئلة الأخلاقية. بعض المجتمعات تستقي أجوبتها من الدين، البعض الآخر من التقاليد المتوارثة من التجربة المعيشية،…

أخلاق الاجتماع ونمو الأطفال

الأربعاء ٣١ ديسمبر ٢٠١٤

موضوع هذه المقالة هو النمو الأخلاقي للأطفال. هذا النمو قد تتم دراسته من منظور علم النفس ولكن هذا ليس المنظور هنا. ما يهمني هنا هو دراسة النمو الأخلاقي للأطفال وعلاقته بحقوق الطفل ومفهوم العدالة في المجتمع. بمعنى ما هي السمات الأخلاقية التي تساعد الأطفال على العيش والحفاظ على العدالة في المجتمع. المقالة السابقة تحدثت عن أخلاق الأسرة، أو النمو الأخلاقي الذي يتحقق للطفل من خلال العيش مع أسرته. الأسرة يمكن أن تقدم معنيين جوهريين للطفل: أن السلطة قد تتأسس على حب وأن السلطة مطالبة بتشريع نفسها باستمرار. الأم والأب لديهما سلطة على أطفالهما ويمكن أن يقدما نموذجا لتأسس هذه السلطة على حقيقة أنهما يحبان أطفالهما. الحب بالتأكيد لا يكفي فقد يكون مجرد عاطفة غير واعية، ولذا كانت مسؤولية التشريع المستمر ضابطا لاحتمال عشوائية عاطفة الحب. الأهل مطالبون بتبرير سلوكهم، وهذا يعني تقدير قدرة طفلهم على الفهم والحوار وكذلك ضرورة وجود انتظام كاف للقوانين التي يمارسون من خلالها التربية. هذا كله يساعدنا على توقع طفل مستعد نفسيا وأخلاقيا أن يحترم السلطة ويطالبها بالعدالة باستمرار. الآن، الطفل يكبر ويخرج عن إطار أسرته إلى أطر اجتماعية أكبر. جماعة الأصدقاء، الأقارب، زملاء المدرسة، زملاء اللعب كلها مجموعات إضافية يعيش من خلالها الطفل وتؤثر بشكل رئيس في نموه الذهني والأخلاقي. السؤال هنا: كيف يمكن أن…