أكاديميات فنون.. وقادم أجمل

آراء

في الثاني من حزيران (يونيو) عام 2018م جاء تأسيس وزارة الثقافة وفصلها عن وزارة الإعلام، ليؤكد ذلك حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز على نمو القطاع الثقافي السعودي والنهوض به، لتكون الثقافة نمط حياة رئيسياً، ومسهماً في نمو الاقتصاد الوطني، ومعززاً وداعماً لمكانة المملكة وحضورها في المحافل الثقافية العالمية.

ومنذ تأسيسها تفاجئنا الوزارة ما بين فترة وأخرى بقيادة أميرها الشباب بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود بترجمة الأهداف التي أنشئت من أجلها على أرض الواقع، لتحوّل الحلم حقيقة وتسير الفنون في السعودية بخطى واثبة على مسارها الصحيح أسوة بالتجارب الفنية الناجحة في دول العالم، تحقيقاً لأهداف رؤية المملكة 2030م.

لقد رسمت وزارة الثقافة استراتيجيتها الرامية إلى تحقيق تحول ثقافي شامل وواسع النطاق، وفق أعلى المعايير والجودة، بحيث يصبح واقعاً ملموساً في قادم الأيام، وتضمنت رؤيتها ستة محاور رئيسية، أحدها تقدير المواهب ورعايتها تنفيذاً لتوجيهات قيادتنا في بناء وتنمية الإنسان، وتماشياً مع رؤية وتوجهات الوزارة للإسهام في تحقيق أهداف رؤية المملكة المستقبلية.

ولأن بناء وتنمية الإنسان مرتكز رؤيتها القادمة، فقد كشفت وزارة الثقافة خلال الأيام الماضية عن توجهها لتأسيس «أكاديميات الفنون» للتأهيل الأكاديمي المتخصص، وكمرحلة أولى ستنطلق أكاديميات الفنون بأكاديميتين لتأهيل المواهب كحزمة أولى من مبادراتها الـ27 الخاصة ببرنامج «جودة الحياة»، اللتين تعتبران خير دليل وبرهان على استثمارها في بناء القدرات وتنمية المواهب وتأهيلها أكاديمياً وعلمياً، سعياً منها إلى رفد القطاع الثقافي بمخرجات مميزة وكوادر مؤهلة أكاديمياً.

ووفقاً لإعلان الوزارة، ستنطلق الأكاديمية الأولى والتي ستكون متخصصة في التراث والفنون التقليدية والحرف، وستبدأ في استقبال طلبات الالتحاق بها في خريف عام 2020، وتستهدف 1000 طالب ومتدرب في البرامج طويلة وقصيرة المدى. أما الأكاديمية الثانية والتي ستكون خاصة بالموسيقى، فستستقبل 1000 طالب ومتدرب ابتداءً من عام 2021.

ولا يخفى على أحد غِنى المملكة وثراؤها بالفنون المتنوعة والمواهب المتعددة والإنتاج الغزير المميز، أيضاً لديها فنانات وفنانون في كل مجال، ولعل إنشاء هاتين الأكاديميتين يكون بداية للتأهيل الأكاديمي ومن أهم مقومات تشجيع القطاع الثقافي، فطالما اعتبر الاستثمار في بناء الكوادر البشرية حجر الزاوية في تحقيق التنمية الشاملة واستدامتها، وذلك نظراً لدوره المحوري في صقل المهارات وتحريك القدرات، وتنمية الكفاءات البشرية في جوانبها العلمية والمهنية والتقنية والثقافية اللازمة لتلبية متطلبات التنمية.

وعلى رغم أنه طال الانتظار بمبادرة وزارة الثقافة هذه إلا أن هذا الإعلان أسعدني وأسعد كثيرين غيري من أبناء وبنات الوطن، خاصة أننا حرمنا سنوات من الفنون عِلماً ونشاطاً، وحرم أطفالنا من تعلّمها خلال مراحل الدراسة المختلفة، لذا ظل التأهيل الأكاديمي للفنون مطلباً للمثقفين والفنانين والمتخصصين خصوصاً بعد الجدل المتكرر المثار حول افتقاد شبابنا وفتياتنا أساسيات الفنون، أو سعيهم إلى اكتساب هذه القدرات أو تنميتها خارج المملكة.

ومن هذا المنطلق استجابت وزارة الثقافة لتلك الرؤى والتطلعات، وشرعت في هذه الخطوة التي عقدت لأجلها ورش عمل عدة مع مسؤولين ومختصين سعوديين ودوليين في الشأن الثقافي، كما أجرت دراسة شاملة للعرض والطلب في السوق السعودية في كافة القطاعات الثقافية، وجاءت نتائجها بضرورة رفد القطاعات بكوادر مؤهلة أكاديمياً.

الأكيد أن الفنون تمثل ضرورة حياتية لا غِنى عنها لأي مجتمع، ذلك أنها تشكّل الوجدان، وتشيع القيم، وتحدث فارقاً في حياة الشعوب والمجتمعات، وبقدر رسوخها وازدهارها في المجتمع بقدر تحضّره وتقدّمه، وما أحوجنا اليوم إلى أكاديميات متعددة في مجال الفنون الذي ينظر إليه اليوم كأحد مقومات «جودة الحياة»، ورافد اقتصادي وتنموي مهم، لذا أرى وغيري كثر أن وزارة الثقافة بهذه الخطوة أحسنت صنعاً نحو تعزيز قوة المملكة الناعمة ونقل الثقافة والفنون السعودية لمرحلة جديدة تاريخية من الهواة والممارسة العشوائية إلى مرحلة الاحترافية التي ترفد النشاط الثقافي والإبداعي علمياً، عبر تأسيس تلك الأكاديميات التي ستسهم بإذن الله في تخريج مختصين في الفنون المختلفة ودعمهم بالعلم والمهارة ليست فقط الفنية بل الحياتية أيضاً، ليشقوا طريقهم بقوة وتمكُّن ونجاح نحو تحقيق نقلة نوعية للفنون السعودية بحلول عام 2030.

المصدر: الحياة