عبدالله العوضي
عبدالله العوضي
حاصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع الجنائي - جامعة مانشستر عام 1996. خلال عامي 1997 و 1998عمل رئيساً لقسم المحليات في مؤسسة البيان للصحافة والطباعة والنشر. شغل منصب رئيس قسم البحوث والتخطيط بمؤسسة " البيان " للصحافة خلال الفترة من 1999الى 2002. من مؤلفاته: "في رحاب الإمام الشافعي" و "في رحاب الإمام أحمد" و"الخليج رؤى مستقبلية".

أميركا.. والانقلاب على النفس!

آراء

هل في العالم من حولنا أزمة تسمى «سوريا»؟ عند بدايات سقوط أوراق «الخريف العربي» كانت السياسة الأميركية تطرح نفسها -وليست تسييسها- على أساس أنها ضد نظام الأسد ومع الشعب السوري قلباً وقالباً، وبعد بلوغ الأزمة ذروتها تحولت السياسة قلباً مع الأسد وقالباً مع الشعب.

في خضم انشغال الناس بتفاصيل كوارث «الخريف العربي» الذي تحول إلى «خروف» يتم التضحية به باسم شعارات هلامية براقة ليس لها في الأرض قاع ولا في السماء قائم، فهي معلقة لا تنتمي لا إلى هذا ولا إلى ذاك، ينسى الناس معنى السياسة ومتغيراتها، فأميركا لو أرادت التخلص من الأسد لعاملته كما عاملت صدام دون أن تشاور قريباً ولا بعيداً.

فكلمة انقلاب في السياسة الخارجية الأميركية مع الأزمة السورية أو الأسد على وجه التحديد، وضرورة التفاوض معه، كبيرة في استخداماتها وثقيلة في مفاعيلها لأنها شرق أوسطية أو من متداولات العالم الثالث تحديداً.

فالسياسة الأصل فيها التغيير أو المرونة والتأقلم مع الأوضاع المتقلبة، فهي التي تحدد الانقلاب في المفاهيم والمفاعيل السلمية والحربية، نووية كانت أو تقليدية.

والأدلة عديدة على عدم إرادة أميركا استبدال الأسد بغيره لأنه أنسب شخص يخدم إسرائيل في هذه المرحلة من عمر «الخروف العربي»، فعندما نقول ذلك، نرى الشواهد في مؤتمر جنيف 1 و2 واضحة فليس هناك بند واحد يدعو إلى تنحي الأسد، بل كل المؤتمر والمؤتمرين دعوا إلى ضرورة الحوار مع النظام للوصول إلى صيغة مقبولة تحفظ ماء وجه الجميع بلا استثناء، سواء أميركا أو أوروبا أو حتى العرب، وإلا فإن «الطاسة» السورية ستبقى ضائعة لمدة طويلة، والخريطة التي يراد تفعيلها لا تبعد كثيراً على التقسيم الطائفي البعيد عن أي رائحة للديمقراطية ولا المساواة ولا العدالة الاجتماعية، فكل ذلك أصبح هباء منثوراً في عالم السياسة المتقلب.

وعندما نتفحص خريطة كوارث «الخروف العربي» المضحى به نجد أن هناك مستجدات طرأت أهم من زوال الأسد ونظامه، فـ«داعش» وانتشار غباره في أكثر من دولة عربية متغير وأولوية قصوى لدى أميركا وكل ملفاتها في حربها ضد الإرهاب، فلا نسمع اليوم شيئاً لا عن سوريا ولا العراق ولا أفغانستان، لأن التركيز العميق لدى جميع أطراف المعادلة الدولية، حول كيفية التخلص من «داعش» وعواقبها وتوابعها التي تعلن كل فترة عن «البيعة» و«الخلافة» وما إلى ذلك من المصطلحات التي التصقت بسفك الدماء وقطع الرقاب وضرب الأعناق وكل ما يمت إلى هذا القاموس المرعب مع الفعال المرهبة والمفظعة!

وقد يظن البعض أن أوروبا تعمل ضد السياسة الخارجية الأميركية في تعاملها مع الأسد ونظامه، فهم يخالفون بعضهم باللسان فقط ويحاربون غيرهم بأفتك أنواع الأسلحة، خاصة إذا ساعدتهم جرائم الإرهاب الدولية والإقليمية على ذلك، فنعما هي.

فالموقف الأميركي عن الأزمة السورية واضح منذ اندلاعها، وها هي دخلت سنتها الرابعة ولم يتحرك النظام ولم يتزحزح عن مكانه، بل فتح له المجال لدخول إيران الثورة و«حزب الله» التابع على هذا الخط الساخن بدماء الأبرياء والمنكوبين والمشردين.

سئل مرة أحد كبار المسؤولين الأميركيين في أروقة الخارجية الأميركية عن ماهية السياسة الخارجية لأميركا مع حلفائها وأصدقائها، خاصة إسرائيل، وكيف أن العرب المكلومين بفلسطين يرون ذلك كيلاً بمكيالين، ومنذ عقود الاحتلال والأذلال، لم تتغير السياسة الأميركية، فرد بما معناه: نعم التصريحات تتغير والأحاديث تلوى وتفسر وتذهب وتعود يمنة ويسرة إلا أن ما يحصل على الأرض سواء في سوريا أو أفغانستان أو العراق، أو غيرها من البلدان الغارقة في الأزمات تلو الأخرى، هي السياسة وليس ما هو مسطر على الورق الأبيض، وسرعان ما تتغير الألوان السياسية كلما تغير لون المصلحة ليس إلا.

المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=83926