أنقذوا القصر «المقدس» في المزة

آراء

دمشق في طريقها إلى السقوط. مؤشران رئيسان يقولان ذلك. الدعوة الأسدية للجهاد، والتحرك الغربي الجزئي باتجاه تسليح المعارضة.

الرجل البعثي ابن النظام الذي يكفر بكل الأيديولوجيات المقابلة لفكرة العروبة «المسكينة»، صار يستجدي شعبه أن يحملوا أسلحتهم البدائية، وينفروا للدفاع عن القصر «المقدس» في حي المزة! صار – ويا للمفارقة الرهيبة – يدعو للجهاد من خلال موظفيه الدينيين!

كل الأنظمة الحاكمة الشبيهة بنظام الأسد، الأنظمة المغتصبة للحكم تعتمد في وجودها على جدار حماية. بعضها يحتمي خلف جدار الممانعة الدائمة واللعب على القضايا القومية، وبعضها يحتمي خلف جدار الدين، وبعضها يحتمي خلف جدار الاختلاف الطائفي المحلي، وبعضها يحتمي خلف جدار القمع، وبعضها يحتمي بجدار القبائل الجاهزة للانقضاض على بعضها بمجرد سقوط النظام، وبعضها يحتمي بأنظمة أكبر منه في مقابل ضمان مصالح القوى في منطقة الضعيف.

وحدها الدول الديموقراطية هي التي تحتمي أنظمتها بجدار صناديق الاقتراع. وحدها التي تحتمي باختيار الناس.

نظام بشار وأبي بشار الذي يؤمن بالبعث «رباً»، وبالعروبة «ديناً» كان طوال عقود يقدم جداراً ويؤخر آخر ليضمن بقاءه. بدأ بفكرة القومية العربية، وأنه هو المؤتمن الأفضل للحفاظ عليها، ثم انتقل بعد ذلك إلى فكرة الجسر العربي – الأوروبي، وأنه هو القادر على ضمان سلامة هذا الجسر في منطقة متفجرة ساخنة، ثم التفت الى القضية الفلسطينية، وادعى أنه النظام المهموم بها، وبالتالي فوجوده مطلب كوني للإبقاء على ما تبقى من حق عربي، ثم وضع يده في يد ملالي طهران، وأوهم السوريين بأن وجوده مرتبط بصيانة هذا التعاون التاريخي الذي يعادل القوى في منطقة الشرق الأوسط، وانتقل خلال الأعوام الأخيرة إلى فكرة الممانعة للقوى الإمبريالية في منطقة الشرق الوسط، بهدف ربط وجوده بدعم الشعوب العربية المقهورة، التي تظن أن مصائبها وويلاتها إنما جاءت على جناح صقر أميركي! يدافع عن حق الشعوب في التحرر والانعتاق من ربقة المستعمر القديم – وليس من مستعمر جديد – وهو في الحقيقة يدافع عن وجوده فكرة ومادة.

عندما كان الخطر خارجياً، ظل النظام يتقلب في المتغيرات، ويبحث عن صيغ لوجوده تتناسب مع الزمان والظروف، لكن عندما اشتعلت الجبهة الداخلية، أصيب عقل النظام بلوثة عطلت قدراته التاريخية، وساقته نحو التخبط وعدم التركيز. أصبح الخطر خارجياً وداخلياً في آن، فتكاثرت الذئاب على خراش، فما يدري خراش أي الطرق التي تساعده في الهرب!

في البدء كان النظام يعتبر «المحتجين» شباباً مغرراً بهم، وعلى أهاليهم أن يحتووهم، ثم تحولوا إلى إرهابيين مدعومين من حكومات إقليمية، وعلى هذه الدول أن تتوقف عن دعمهم، ثم صاروا جهاديين وأعضاء في «القاعدة» ينوون تكوين دولة إسلامية، وعلى أمم الأرض أن تقف في وجه تكوين دولة طالبانية جديدة، وفي النهاية كان لا بد من التحول الكبير والأخير: الدعوة إلى الجهاد ضد الشباب المغرر بهم والإرهابيين المحليين والجهاديين الدوليين، الذين يتقاطرون على البلاد من كل حدب وصوب.

تحولات النظام خلال الهجمة الأحادية الخارجية كانت على مدى أعوام طويلة، أما الآن وفي ظل هذه الظروف الداخلية، صار النظام يتحول في شكل أسرع وأكثر تخبطاً إلى درجة أنه لجأ أخيراً إلى «الجهاد» الذي يتعارض مع أدبيات حزب البعث كافة!

النظام العلماني المدني عاد أخيراً إلى العقلية الإسلاموية، وصار يبحث عن القشة الأخيرة في عقول الشعوب العربية المتدينة فطرة. تخلى عن جدرانه كافة، وبدأ في الرهان على صكوك الجنة والنار، لكن الوقت تأخر، واقترب الجهاديون الأعداء من قلب دمشق، وازداد الضغط على النظام وبدأت حلقاته الداخلية في التفكك واحدة تلو الأخرى.

المؤشر الآخر هو التغير النوعي في معالجة الدول الغربية للوضع السوري. أشهر طويلة والدول الغربية تقدم رجلاً وتؤخر أخرى. لا تريد أن تدعم الثوار، خوفاً من فوز الإسلاميين بثمرة الانتصار. يقلقها منظر اللحى والدعوات الإسلامية التي تظهر يومياً على عشرات الفيديوات في «يوتيوب»، ويبعثر أوراقها غموض العلاقة بين مجالس المعارضة في الخارج والثوار على الأرض.

الدول الغربية التي تقف موقف الضد من نظام بشار الأسد ومن الجهاديين الثوريين المعارضين له على حد سواء، أدركت أخيراً ومن خلال أذرعتها الاستخباراتية على ما يبدو أن نظام بشار الأسد في طريقه الى السقوط، لذلك سارعت في التدخل من خلال تسليح المعارضة، المعارضة المنتقاة كما أكد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.

الغرب يبحث عن تغيير آمن للسلطة، والآمن بالمفهوم الغربي يعني عدم وجود الجهاديين في الحكم، لذلك فلا بد من دعم الأطياف الأخرى بالسلاح لتصل أولاً إلى قصر المزة!

من الواضح أن نظام بشار يسقط والعالم يتحرك. لكن أين التغطية العربية الرسمية لهذا السقوط؟ ما هو الطيف الذي تعدّه الجامعة العربية للحلول مكان النظام البعثي؟ هل هناك من عمل، أم أن الحفلة للفرجة فقط؟

المصدر: صحيفة الحياة