عبدالله فدعق
عبدالله فدعق
داعية إسلامي من السعودية

أوقفوهم عند حدهم

آراء

لا يختلف اثنان على أهمية (الوحدة الوطنية) أو ما يمكن تسميته (التكامل القومي)، وحتى لو اختلفنا في مفهوميهما بسبب اختلاف ثقافاتنا، وبيئاتنا، إلا أنه لا يمكن أن نختلف في أن الوحدة الوطنية هي انصهار جميع أبناء الشعب في بوتقة واحدة، وكيان واحد، وعدم وجود أي صراع فيما بينهم، بحيث يؤمن الجميع أنهم أبناء وطن واحد.. نحن هنا في المملكة العربية السعودية لغتنا واحدة، وديننا واحد، ونطيع حاكما واحدا، وأهدافنا العامة واحدة إلا أننا نعاني ـ وللأسف ـ من المتربصين بوحدتنا من خارج البلاد، ومن داخلها.

الموجودون بالخارج أمورهم مكشوفة، أما الموجودون بالداخل فخطرهم كبير، وخصوصا إن وصلوا ومُكنوا من منابر الثقافة والإعلام، وأذرعها المعروفة، والصحافة في مقدمتها. ينبري بعض هؤلاء بأقلامهم، وبتمهيد من رؤسائهم إلى كل ما يفسد التزاوج والتداخل بين مكونات الناس الحضارية والثقافية، ويوجهون كل قواهم لصهر الناس في بوتقة واحدة، هي بوتقتهم فقط، وبدلا من أن يولد الدين الشعور بالوحدة، وأن يكون واسطة التفاهم، ووسيلة التفكير ونقل الأفكار والمكتسبات لتنمية وتقوية الروابط العاطفية والفكرية بين الفرد والجماعة يصبح عكس ذلك، وبدلا من أن تكون عادات أفراد المجتمع سببا في التجانس بين الأفراد يصبح الأمر أيضا على العكس تماما.

استغلال المنابر لتأجيج الصراعات أمر خطير وخبيث، وعزل الناس بجعلهم في تكتلات سيؤدي إلى اختلاف ثقافي وفوارق اجتماعية، وسيحدث من الصراعات ما الله ـ وحده ـ به عليم.. إخافة الناس من بعضها، وتشكيك الناس في بعضها سبب أساس في خلق حالة الخلل داخل المجتمع، وسبب كبير في قطع حبل الولاء للوطن، وابتعاد أبنائه عن التعاضد والتناصر، والنتيجة المتوقعة ـ والمضمونة ـ إعاقة التجانس والانصهار بين أبناء الشعب، وبروز دعوات انفصال وتقسيم، وقد يصل الأمر إلى حروب وتطاحنات مدمرة بين أبناء الوطن الواحد.

من الأمثلة على ما سبق ذكره ما حدث في أفغانستان التي تتكون من عدة قوميات، ومذاهب دينية، إضافة إلى عشائر مختلفة. ولاء الفرد هناك متجه أولا لعشيرته، ومن ثم لطائفته وقوميته، وبسبب ذلك حدثت الحروب الأهلية المدمرة التي سهلت التدخل الخارجي، وبعد أن انتهت سيطر بعض المتطرفين، ولما لم يتمكنوا من ذلك تحالف خصومهم مع غيرهم للقضاء عليهم والأمر مستمر، ـ وكما يقال في الأمثال ـ “الحبل على الجرَّار”.

الحل هو في أن يتبصر العقلاء ما يحدث، وأن يدعموا كل ما من شأنه أن يجمع الشعب، ويلغي الحواجز بين فئاته المختلفة، وأن يقفوا بقوة ضد كل ما يؤثر على مفهوم الوحدة الوطنية في البلاد، فالسكوت عن تهذيب وتربية أصحاب الأقلام الشاذة، والأصوات الناشزة سيرمي بالوحدة الوطنية نحو ما لا تحمد عقباه. خطر الأقلام والأصوات الموتورة في شحن النفوس وإذكاء العداوات عظيم، ويتعاظم الخطر عندما يكون العزف على أوتار القيم الدينية، والأطر المذهبية. لست أبدا مع تكميم الأفواه أو ممارسة دور الوصاية على الناس، فيفكر أحد عن أحد، أو يلزمه أن يفكر بمثل تفكيره، وفي نفس الوقت لا يمكن أن أقبل أن يتطفل أحد على أحد، أو أن ينصب الواحد نفسه كنائب يعبر بلسانه أو بقلمه عن غيره.. أكرر مرة أخرى أن الأمل الذي آمل تحقيقه هو أن يبادر أصحاب القرار والعقلاء الذين ينظرون إلى عواقب المالآت بتدارك الأمور قبل فواتها.

المصدر: الوطن أون لاين