كاتب و ناشر من دولة الإمارات
البداية: يخبرني صديقي برغبته في القيام برحلة بحرية في محمية القرم الشرقي مع مجموعة من الأصدقاء، ومن هنا تبدأ القصة
كانت رحلة عبر الزمن، يحملنا قارب، قصيرة بوقتها، عميقة بمعانيها، في محمية طبيعية، يقول لي صاحبي، إنها زيارة قصيرة، وقلت له لا بل هي سفر عبر الزمن.
أن تسافر بين أشجار تبني جذورها في البحر، وتعيش على الماء المالح تجربة ثرية ومختلفة، يا إلهي كم يشبهنا الشجر وإلى الآن لا نعرف وجه الشبه!
في الرحلة، كنت وحدي على الرغم من أني كنت معهم وحولي قبيلة من أشجار القرم، أشجار عقدت صداقات من ماء البحر، وتصالحت مع الطبيعة من حولها، وقبلت بالآخر، وهو أيضاً قبل بها، عندما تتناسق مع من حولك يتناسق معك ويعم السلام أرجاءك، إحدى مشكلاتنا عندما نظن أننا وحدنا ونقدر أن نعيش وحدنا، في رحلتنا كان الشجر وبكل تواضع يعلمنا كيف نتصالح مع ذواتنا.
السفر يعني أن نقوم برحلة داخل نفسك.. دان كاي
القارب شارف على الوصول الآن في رحلة تمنيت أن لا تنتهي، تمنيت لو توقف الوقت وصراحة كم تمنيت لو كنت وحدي، أحياناً بعض اللحظات العابرة في حياتنا نمر عليها مرور الكرام ولا نتوقف ولو لبعض الوقت لنتأمل كمية الجمال في الأشياء من حولنا، ونتفكر في معاني الصبر والقدرة على التكيف على الرغم من الصعوبة، في هذه الطبيعة الخلابة من حولنا كأن كل الأشياء تؤدي دورها باقتدار، وفي هذه الحياة هناك الذين يؤدون أكثر من أدوارهم ويهضم حقهم، وآخرون بجهد لا يذكر يتصدرون المشهد ومشاهد غيرهم.
للريح لغة لا يفهمها إلا الشجر
يشبهنا الشجر في معاناته وتمسكه بجذوره، يشبهنا في صبره وحبه لأرضه وأيضاً في اختلافه واختياره بيئة صعبة ليقضي بقية حياته ويتغلب على شظف العيش، هكذا كان أجدادنا، وهكذا هي أشجارنا. هناك لوحات خاصة ترسمها الطبيعة وتقدمها لك هدية، آلاف الأشجار تنام على البحر، كم جميلة أن تكتب هذه الجملة، والأجمل أن تراها أمامك. بعض منا يحرص على مشاهدة الغروب، وبعض يحب الشروق، لكل واحد منا منظر يعشقه، ومنظر يحركه، هل سألت نفسك يوماً: ما هو منظرك المفضل وفي بلادي، حيث تتناسق الأشياء من حولنا وتكسوها طبيعة خلابة من هبات الخالق تعالى، هناك فرق عمل ومؤسسات للبيئة تعمل بصمت وبجهد لتحافظ على هذا الجمال، يقومون بعمل رائع لتستمر الطبيعة في عطائها على الرغم من جشع التنمية وطمع التطور، سباق طويل بينهم من سينتصر؟
ودعت المكان وكل إيماءات الشجر تسألني متى ستعود؟ للريح لغة لا يفهمها إلا الشجر. كانت رحلة من شوق ومغامرة من شغف، كانت هناك أشجار وطيور وقنوات مائية وماء مالح وقارب أبحرنا به قبل أن يبحر بنا.
سألني صديقي هل ستعود ثانية.. قلت له: وثالثة.
المصدر: جريدة الاتحاد