“إعادة صناعة” إيران في الغرب

آراء

بمعزل عن “فوبيا” بعض الأوساط العربية حيال ملامح “التقارب” الإيراني الأميركي، وهو اختبارُ حوارٍ أكثر مما هو تقاربٌ فعليٌّ حتى الآن، تدأب الصحافة الغربية بتركيز شديد منذ انتخاب رئيس “الجمهورية الإسلامية” الجديد الشيخ حسن روحاني على تعميم نظرة متفائلة إلى إيران تعيد “قراءة” وتحليل “نظام رجال الدين” الذي يسيطر عليها، ومن جهةٍ ثانية تتخطّى طبيعة تكوين النظام السياسي فيها.

على هذا المستوى تبدو الصحافة الغربية، ولاسيما الأميركيةَ، شريكةً فعليةً في تعميم موجة التفاؤل. ويُلاحظ أن زيارة الرئيس روحاني لنيويورك لم تتعرّض إلى فخ إعلامي أو رسمي واحد بينما كانت زيارات الرئيس السابق أحمدي نجاد مزروعة بالأفخاخ التي كم كان سهلاً أن يقع فيها نجاد بسبب من طبيعة شخصيّته المتشدّدة وآرائه المعلنة وبينها “فخ” جامعة كولومبيا الشهير عندما استضافته هذه الجامعة وتعرّض فيها إلى إهانات.هذا الجو الإيجابي خلال زيارة روحاني استمرّ رغم حذر “اللوبي الإسرائيلي” المتواصل من النوايا النووية لإيران وهو حذرٌ يغذّيه الموقفُ العنيفُ المتواصلُ لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حيال الملف النووي. حتى أن مجلة “نيوزويك” في عددها قبل الأخير(14-21 أكتوبر، تشرين الأول) اعتبرت في تقرير رئيسي الإمكانات العسكرية النووية الإيرانية “مبالَغاً بها” واضعةً البحث كلّه تحت تسمية “التهديد-الشبح” و “استكشاف أسطورة الخطر النووي الإيراني”.

عشرات المقالات في الصحافة الغربية تبدو الآن متأئّرة بهذا الاختبار الحواري الأميركي الإيراني الذي ساهم أيضاً في تعزيزه النجاحُ العملي للاتفاق الروسي الأميركي حول الترسانة الكيماويّة السورية وبما يُظهِر إيران شريكةً أكيدة في هذا التطوّر المهم الذي تستفيد منه إسرائيل بشكلٍ أساسي إن لم تكن هي المستفيدة الوحيدة.

“اللعبة” حتى الآن تُلعب أو يظهر أنها تُلعب بشكل جيّد على الضفّتين الأميركية والإيرانية. الرئيس أوباما وفريقه المفاوض يتابعان الحوار. روحاني يتابع الاعتدال. المتشدّدون في أميركا وإيران يتابعون التشكيك والاستياء ومعهم نتنياهو.

يبدو أن الحوار يشقّ طريقَه لا في أرض وعرة فقط بل أيضاً في أرض تملؤها “الحروب” في الشرق الأوسط ولاسيما الحرب الهائلة في سوريا. لكن كأيِّ اختبارٍ بين مصالحَ متضاربةٍ ذاتيّاً وموضوعيّا من الصعب التكهّنُ بنتائجه إن لم يكن من الطبيعي غلبة التشاؤم على التفاؤل فيه. الجولة الأولى التي حصلت في 15-16 هذا الشهر بين مجموعة 1+5 وإيران وأعقبها أول لقاء ثنائي بين الوفدين الأميركي والإيراني منذ العام 2009 حول الملف النووي، عزّزت جوّ الحوار وإن كانت لم تسفر عن تقدّم في المسائل الجوهرية التي سيعاد بحثها في 7 و8 تشرين الثاني في جنيف.

وبلغة السياسة الباردة لا ينبغي التقليل أبدا مما أتاحته الحرب السورية من خلق عوامل مساعدة للحوار الإيراني الأميركي أبرزها المتعلّقة بإسرائيل أي بمكاسب مباشرة وغير مباشرة إسرائيليّة مما يسهّل المهمّة الأميركية في السير بهذا الحوار رغم اعتراض اليمين الإسرائيلي. هذه المكاسب هي:

1 – تغيير واقعي عميق في وظيفة جيش”حزب الله” بعد انتقال نشاطه من جنوب لبنان إلى داخل سوريا، انتقال أملاه نشوءُ مخاطرَ استراتيجيّةٍ على وجوده من وجهة نظرالحسابات الإيرانية نقلت فعاليّتَه عمليا إلى داخل سوريا بسبب كماشة الخطرين: خطر سقوط النظام السوري الحليف عضويا لإيران وروسيا وخطر الجماعات السنّية المتشددة المعادية للنظام السوري وإيران وروسيا (والصين) والتي أصبحت طلائعها المقاتلة على رؤوس الجبال المحيطة بلبنان. المستفيد من حصيلة هذا التغيير في وظيفة”حزب الله” وانتقالها من الجنوب إلى الشمال هو إسرائيل.

2 – إلغاء سوريا السلاح الكيماوي إلغاءً حقيقيّاً ويقترب من أن يكون ناجزا. المستفيد إسرائيل.

3 – حالة دفاعية عامة، شعبية وسياسية فرضها “الربيع العربي” على النفوذ الإيراني أدّت إلى فكفكة العلاقة التقليدية القوية بين إيران الخمينية و”الإخوان المسلمين” المصريين وتحديدا بعد وصولهم إلى السلطة كما نجاح الخليجيّين في استقطاب “حماس” إلى المعسكر المعادي لإيران وسط مدٍّ شعبيٍّ سنّي عربي صار سلبيا ومعاديا لإيران الشيعية. صحيح أن هذه الانتكاسات الإيرانية بدأت تخف وطأتها على طهران بعد إسقاط “الإخوان” في مصر وعزل “حماس” في غزة وعودة التواصل الاضطراري بين هذه الأطراف… غير أن حكّام إيران تلقّفوا الرسالة: هم ومشروعهم العربي في حالة دفاعية بسبب الحرب الضارية في سوريا تستلزم الحوار مع واشنطن. هُمْ لأنّ العقوبات الاقتصادية أتعبتهم فعلا، ومشروعهم العربي لأن معطى الحساسية السنّية الشيعية هو تهديد خطير لصورتهم المسلمة حيث تلتحم معركة مذهبية من العراق “جوهرة التاج الإيراني” في العالم العربي إلى سوريا ولبنان. في هكذا لحظة يمدّ الأميركيّون اليد الحوارية لهم برعاية روسية جعلتها موسكو فلاديمير بوتين جزءأ لايتجزّأ من صعودها المستجد في منطقة المشرق بعدما نجحت عمليا في قيادة إيقاف مدّ انهيار النظام السوري على المستوى الدولي.

يختلف وصول الشيخ حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية عن وصول السيد محمد خاتمي أن روحاني يعبّر انفتاحه عن قرار استراتيجي من النظام الإيراني تمليه مرحلة جديدة في تقييم حكّام طهران لأمنهم القومي، بينما وصول خاتمي تمّ في لحظة صراع بين جناحين في النظام نجح الجناح المسيطر عسكريا عبر الحرس الثوري وبقيادة السيّد علي خامئي في استيعاب الجناح الآخر حتى تحجيمه لاحقاً. لذلك، الحوارُ حقيقي هذه المرة مع واشنطن من زاوية النظام الإيراني بمعزل عن النتائج.

وعي الاستراتيجيين الأميركيين لهذه الحقيقة هو الذي يضعنا في مرحلة “إعلامية” جديدة في الغرب يمكن تسميتها “إعادة صناعة إيران” في الصحافة الغربية ومراكز الأبحاث سنتابع فصولها وعِدّة شغلها بشكلٍ متصاعد. وسيكون جزءٌ أصيل من العدة ما هم الغربيون مهيّأون لتثمينه وتبريره: ليس فقط شعارهم المطّاط عن تشجيع “الاعتدال الإسلامي” الجاهز للتوظيف البراغماتي في أي وقت بل أيضا يمكننا ان نتوقّع عودة إلى التركيز على الثقافة الإيرانية العريقة التي تطل منها مراكز الثقافة الغربية على البعد غير الإسلامي العريق لإيران….وأشياء أخرى!

المصدر: صحيفة النهار