عبدالله المغلوث
عبدالله المغلوث
كاتب وصحفي سعودي

ابنة نيوتن

آراء

عندما تسلم رئيس دار نشر بلومزبري مسودة رواية هاري بوتر الأولى لم يكلف نفسه عناء قراءة جملة واحدة منها. فور أن حصل عليها وضعها على طاولة مكتبه وفوقها مفاتيح سيارته، حتى يتذكرها عندما يغادر المكتب ويحملها معه إلى المنزل. حينما وصل إلى منزله دعا ابنته، أليس (ثماني سنوات) لقراءتها. بعد مرور ساعات عدة اندفعت ابنته نحوه قائلة: “أرجوك، أعطني بقية الرواية”.

هنا أدرك نايجل نيوتن، رئيس دار نشر بلومزبري، أنه أمام عمل مثير للأطفال. فوافق بلا تردد على نشره رغم أنه يعلم أن هذا العمل رُفض من أكثر من دار نشر منافسة.

لقد تخلى نيوتن بسبب هذا العمل عن قناعته بأن تكون داره متخصصة في الروايات الواقعية والأعمال الوثائقية. فتح أبواب داره، التي أُُُُسست عام 1986، لكتب الأطفال والروايات الخيالية إيمانا منه بأهمية العمل مهما كان جنسه وصنفه الأدبي. نجحت هذه السلسلة الروائية للكاتبة جي كي رولينج نجاحا باهرا في كل أرجاء المعمورة، وحققت لمؤلفتها المغمورة ثروة تقدر بأكثر من 562 مليون جنيه إسترليني بعد أن كانت تتلقى دعما حكوميا (الضمان الاجتماعي) بوصفها أمّاً مطلقة، لا تملك دخلاً يساعدها على تسديد إيجار شقتها ويؤمن لها لقمة العيش.

قرار نيوتن باستطلاع رأي ابنته الصغيرة في الرواية بشكل غير مباشر هو أسلوب يتبعه في كل مشاريعه. فهو لا يتخذ قراراً فردياً في أي مشروع. يسأل شخصاً آخر في كل مرة، سواء كان متخصصا أم مهتماً بالموضوع الذي يشغله، ليساعده على اتخاذ القرار المناسب. يرى نايجل أن القيادي الجيد هو الذي يستثمر كل الأشخاص حوله لإرشاده وتنويره.

لدينا فهم خاطئ لموضوع القيادة. يظن بعضنا أن القيادي العظيم هو الذي يقرر بناء على خبراته وإمكاناته الفردية، بينما القيادي الفذ هو مَنْ يقرر بناء على تحليل عميق لعدة آراء لمختصين ومهتمين مدعوماً بتجربته.

لا يوجد أحد يمتلك الحكمة في كل المجالات. لكل جزئية مبدعوها.

أهمية الاستئناس برؤى الآخرين ليست ضرورة على القياديين في المؤسسات والمنظمات فقط، بل هو أسلوب حياة من الحري أن نطبقه في كل شؤوننا.

ابحث عن الحكمة في جوف الصغير قبل الكبير. ها هو نيوتن يحصد ثمن استماعه إلى ابنته ملايين، بينما مَنْ استمعوا إلى ذواتهم فحسب يكادون يموتون كمدا.

أيها الأصدقاء، لا تحتكروا قراراتكم. شاركوها لتعود إليكم مضيئة. ها هي الشمس توزع علينا النور أجمعين، وتعود في كل مرة مشرقة ومشعة. لا تنقص بل أكثر إصرارا وحماسة.

الأنانيون وحدهم يذبلون. تخلوا عن الآخرين فتخلت عنهم حتى ذواتهم. يتخذون قرارات فردية تنهكهم وتودي بأحلامهم.

المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2015/02/12/article_930385.html