سعود الريس
سعود الريس
كاتب وصحفي سعودي

«الإخوان» في عُمان

آراء

(وما أكثرَ الإخوانَ حين تعدُّهم*** ولكنَّهم في النائبات قليلُ). قيل وما النائبات؟ ولماذا لا يكونون «نائبين»، فأطرق برأسه برهة وهو يتمعن في العقول التي تخاطبه، وقال: «الله يخلف علينا». و«الإخوان» – وبعيداً عن النائبات والنائبين وأنواع الاختلاط – هنا شقان، فمن جهة هناك إخوة لنا نعتز بهم، وتربطنا بهم صلات الدم والدين والدنيا، وهناك «الإخوان» المتأزمون أو المسلمون. سمُّوهم ما شئتم، فلدينا في المحصلة نوعان من الإخوان، الأول: سنتحدث عنه الآن، وهم بعض من تناولوني شتماً وقدحاً إثر مقالتي السابقة: «عمان وديموقراطية قطر»، وكنتُ إلى ما قبل المقالة أعتقد بأن الصمت صفة عُمانية إلى درجة دفعت مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» إلى التساؤل غير مرة: أين العُمانيون من هذه المنصة؟ لماذا لا يطرحون قضاياهم ويناقشونها؟ بيد أنني اكتشفتُ أن الصمت الذي كنا نتوقعه يقتصر على الحكومة وفي القضايا المصيرية فقط. أما الشعب فلديه القدرة على الكلام. الآن وبغض النظر عن ماهية ذلك الكلام الذي يطلقونه فإنهم يشاركون ويناقشون ويتقنون كيل الشتائم، إذاً هم – يا للمفارقة – مثلنا، لكن السؤال: أين كانوا قبل ذلك الوقت؟

العُمانيون الذين يخرجون اليوم ليقدموا لنا دروساً في السياسة – مستشهدين بسياسة حكومتهم ويدافعون وينافحون عنها – هم أبرز المغيبين عن المشهد السياسي العربي والإقليمي، وهم يعلمون قبل غيرهم أن حكومتهم في واقع الأمر لم تقدم شيئاً للخليج، ووقفت أمام معظم قراراته المصيرية، وكأنها «تستخير» فيما هي «تعطِّل»، بل وكانت تفضل الانزواء كلما كان الجمع حاضراً، وبعد ذلك تفاجئنا من يوم إلى آخر بخطوات تفردية لا تخدم المنطقة، وبالتأكيد هي لن تخدمها. وعندما كنا نتحدث عن التقارب العماني- الإيراني فإنما كنا نقرأ ما بين السطور الذي تسعى الحكومة هناك إلى طمسه، فعندما يُعلن عن محادثات أو مفاوضات سرية نعلم هنا أن «السرية» مصطلح رجعي، لأنه لم يعد أي شيء سرياً، وعندما يُتَحدّث عن بناء جسر يقطع مضيق هرمز (وإن نُفيَ) نعلم أن عُمان ستكون أولى ضحايا ذلك الجسر، وعندما نتحدث عن تبنِّي عُمان لبناء خط أنابيب بحري لضخ الغاز من إيران كلفته نحو بليون دولار، هنا نقف ونتساءل: من أين يأتي ذلك البليون؟ أهو من العشرة البلايين دولار المقررة من دول المجلس، لدعم الاقتصاد العُماني، أم عبر منحة من دولة أخرى؟

السياسة العُمانية التي تسعى إلى الإيحاء بأنها تنأى بنفسها لم تبرهن على أن ذلك النأي من مصلحة المنطقة. وفي خضم ما تشهده المنطقة من تطورات تقف عُمان اليوم على الضفة الأخرى، وكأنما طابت لها الفرقة بين دول المجلس بسياساتها المبهمة، بل تذهب أبعد من ذلك بمدِّ اليد إلى إيران المحاصرة ذات الأطماع التوسعية في الخليج، لتمنحها منفذاً يعد «بوابة خطر على المنطقة»، نحن في غنى عنها، وتسهم في تقسيم دول المجلس إلى فريقين، وهنا تتناسى أنها إحدى حكومتين في الخليج تأثرتا بمؤامرة «الربيع العربي»، وعندما كانت المظاهرات تجول شوارعها، لم تجد إلا شقيقاتها، للوقوف معها ودعمها، لتعزيز اقتصادها وإعادة الاستقرار إلى البلاد. أما الحكومة الثانية فكانت البحرين، وجميعنا يعرف الأصابع الإيرانية في البحرين التي تلاعبت بعقول بعضهم. لكن ماذا عن عُمان؟ ومن كان يسعى إلى إثارة الفوضى في أوصالها؟

قبل التطرق إلى من له مصلحة في إشاعة الفوضى في عُمان، دعونا نقنع أنفسنا بأنها تعمل على تحصين نفسها من أي تطورات على الأرض العُمانية، ولنفترض أن هذا ما دفعها إلى مداهنة الموقف القطري الداعم للإخوان المسلمين الذين من المعلوم أنهم من الجماعات النافذة في عُمان، إذ تكونت مطلع السبعينات الميلادية وضمت عدداً من الوجهاء وكبار الضباط، واعتُقِلت عناصر في التنظيم عام 1994، وعوقبوا بأحكام مشددة تراوحت بين الإعدام والسجن حتى 20 عاماً لإدانتهم بتكوين تنظيم سري معادٍ للدولة، لكن عُفِيَ عنهم فيما بعد. بيد أن موجة الاعتقالات لم تختف بل استمرت من وقت لآخر بحجة ممارسة أنشطة إسلامية رأت فيها الدولة مساساً بأمنها، وكان آخر تلك الفصول عندما حل فيما بعدُ «الربيع العربي»، وبلغ الذروةَ بنزول الاحتجاجات إلى الشارع، التي أسفرت عن مواجهات مع رجال الأمن.

الآن بغض النظر عن ذلك كله، بما أن قطر تسعى إلى نشر «الفضيلة» بدعمها «الإخوان»، وبما أنها الممول الفعلي لتحركاتهم في جميع دول «الربيع العربي» باعتبارهم «الإنسان المظلوم» وبما أنها تحتضنهم وتستمد منهم «عفويتها».. فهل ذلك يعني أنها من يدعم «الإخوان» في عُمان أيضاً؟ إن كان كذلك – كما يقول المنطق – فبوركت سياسة النأي بالنفس التي تنتهجها «عُمان».

المصدر: الحياة