«الإخوان» و “التفرس” العربي

آراء

ضمن سياق التخبطات «الإخوانية» المستمرة والمستقرة بعد وصولهم لسدة الحكم بمصر أطلق عصام العريان نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» ورئيس الكتلة البرلمانية للحزب في مجلس الشورى تصريحات شديدة العدائية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي تصريحات استهجنها الكثير من المصريين قبل غيرهم، وعبرت عن ذلك تصريحات ومواقف أعلن عنها كثير من المصريين إنْ عبر برامج إعلامية شهيرة أو مظاهرات عفوية أو غيرها من وسائل التعبير.

قال العريان في حديثه المشين طالباً من السفير المصري علي العشيري مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية أن يقول للإمارات بأن «صبر المصريين نفد، وأن سلوكهم مشين، ويجب أن يصل إليهم أن مصر لن تتوجع لأنهم صمدوا 60 عاماً بلا توجع»… هو هنا يتحدث عن «الإخوان المسلمين» وليس عن المصريين كما هو واضح، وأضاف «واهم من يتوقع حدوث شيء في 30 يونيو، يجب أن يفهموا (يقصد الإمارات) جيداً أن سندهم الوحيد هو مصر، وأن تسونامي القادم سيكون من إيران وباكستان وليس من مصر»، وأكد «ياسيادة السفير، قول لهم إيران النووية قادمة، وإن تسونامي قادم من إيران وليس من مصر، والفرس قادمين، وهتصبحوا عبيداً عند الفرس».

لا يمكن لأي مسؤولٍ أو دبلوماسي أو مشتغلٍ بالسياسة أن يصدق أن نائباً مصرياً يمكن أن يتلفظ بمثل هذه الألفاظ العدائية والوقحة على دولة عربية شقيقة لمصر ولها تاريخ طويل في مساعدة مصر في كافة المواقف والأزمات التي تعرضت لها داخلياً وخارجياً، ولكن هكذا هي جماعة «الإخوان المسلمين»، وهكذا هي أخلاقيات قياداتها ورموزها منذ القديم، ولكن بعض الأحداث تكون كاشفةً لما يحاولون ستره من جهل وفشل على كافة المستويات.

إن «التفرّس» هو معنى يراد به التعبير عن الولاء والانحياز للفرس أو الدولة الفارسية التي تمثلها اليوم «الجمهورية الإسلامية» بإيران، وهو مصطلح أو مفهوم أطلقه كاتب هذه السطور قبل سنوات، وهو يعني أن تحاول أن تكون فارسياً وأنت لست منهم، مثله مثل «التعرّب» أي أن تصبح أعرابياً بعد أن لم تكن، مع مراعاة الاختلاف في المعنى بين المصطلحين حيث يتحدث الأول عن أمةٍ والثاني عن حالة.

ليس غريباً أن ينتشي «العريان»، وهو «الإخواني» العتيد بقوة الفرس أو قوة دولتهم الحديثة، ولكن الجديد هو أن يعبر بهذا الشكل الفاقع عن مكنونات جماعته وعن خياراتها الاستراتيجية في المنطقة، وعن التماهي الكبير بين مشروعها السياسي ومشروع الجمهورية الإسلامية في إيران.

ولمن لا يعرف أو غير المتابع، فإن العلاقات التاريخية بين «الإخوان» وإيران، أو بين حركات الإسلام السياسي بطرفيها السُني والشيعي، هي علاقات ضاربة الجذور على مستوى الخطاب والآيديولوجيا وعلى مستوى التنظيمات والرموز، منذ حسن البنا ونواب صفوي، ومنذ المودودي إلى سيد قطب إلى الخميني، إنها تنظيمات ارتوت من نبعٍ واحد، وإنْ اختلفت بعض الظروف والملابسات، ولكن الصورة العامة واحدة.

إن جماعة «الإخوان المسلمين» وأتباعها والمتأثرين بخطابها يقودون تيار «التفرّس» في العالم العربي ليس اليوم فحسب، بل بعد فترةٍ وجيزةٍ من تأسيس الجماعة قبل ما يقارب الثمانين عاماً، ولهذا فلو كان “العريان” عاقلاً لعلم أنه وجماعته لا يعدون أن يكونوا بيادق صغاراً يتلاعب بها الفرس ذات اليمين وذات الشمال.

منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران والرموز «الإخوانية» من مصر ودول الخليج وتونس وغيرها تتوافد زرافات ووحداناً لتقديم فروض الولاء والطاعة في البلاط الكسروي الفارسي، وإنْ ارتدى العمامة وجعل الطائفية شعاراً والفارسية دثاراً.

ولكن لماذا ينقم هؤلاء المتفرّسون من دولة الإمارات العربية المتحدة؟ ولماذا كل هذا الحقد المرير عليها؟ وكيف ينكرون أيادي الإمارات البيضاء على مصر دولةً وشعباً؟

أما عن النقمة والحقد، فالجواب هو كرههم الشديد لما تمثله الإمارات من نجاحٍ وتميزٍ وريادةٍ في مجالات التنمية والرقي والنهضة والأمان والاستقرار، إنهم يكرهون فيها ما يحلمون بفعل بعضه وهم عاجزون عنه كلّه، ثم إنهم لأجل حفنة من المتهمين المنتسبين لجماعة «الإخوان المسلمين»، الذين يحاكمون وفق الدستور والقانون في دولة الإمارات على استعداد لتخريب علاقة تاريخية جمعت بلدين شقيقين على مدى عقود وعقود.

إنهم يكرهون في الإمارات وعيها السياسي العميق بخطر جماعة «الإخوان المسلمين»، ورفضها القاطع والحاسم لأي تغلغل «إخواني» عبر التنظيمات السرية على أراضيها، وهم راهنوا من قبل على مهاجمتها عبر تصريحات كبيرهم الذي علمهم السحر في الخليج يوسف القرضاوي، ثم الناطق الرسمي باسم الجماعة محمود غزلان ضد الإمارات، وخسروا الرهان، ولم يعودوا من تلك الهجمة المشينة ولا بخفي حنين.

إنّ مواقف الإمارات المشرفة مع مصر تقرّ بها النخب والعامة بمصر، ولا أدل على هذا من سيل الاستنكار والشجب لحديث العريان والذي عجت به وسائل الإعلام المصرية من فضائيات وصحف ومواقع إلكترونية، بل ومواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك المقيمون المصريون في الإمارات الذي عبروا رجالاً ونساءً، جماعاتٍ وأفراداً عن حجم الامتنان ورغد العيش والحياة الكريمة التي يعيشونها واقعاً يومياً في بلدهم الثاني، ولكنّ «الإخوان المسلمين» ليسوا كالمصريين الآخرين.

إن «الإخوان المسلمين» لا يعترفون بالأوطان، لا بمصر ولا بغيرها، وولاؤهم الوحيد والخالص هو للجماعة فحسب، ويمكن بسهولة استحضار أقوال «البنا» في إنكار الوطنية وانحيازه للأممية، وأقوال سيد قطب التي تعتبر الأوطان مثل الأوثان وأنها من «الجاهلية» التي يجب حربها والقضاء عليها وصولاً للمرشد السابق مهدي عاكف الذي قال كلمته الشهيرة «طزّ في مصر» قبل سنوات معبراً عن وجدان الجماعة وموقفها من مصر.

لم تتدخل دولة الإمارات في شؤون مصر الداخلية، وهي بالمقابل لا تقبل من أحد أن يتدخل في شؤونها، وهذه شرعة دبلوماسية دولية أوضح من أن يدلل عليها ولا تحتاج لبرهان، ولكنّ المشكلة حين يتسور على السياسة وتعقيداتها حفظة كتب مؤسس التطرف الديني الحديث، وقائد خوارج العصر بشتى تنظيماتهم وتفريعاتهم سيد قطب.

أخيراً، فإن جماعة «الإخوان المسلمين» بتخبطاتها الداخلية والخارجية بعد تسلمها للحكم، تؤكد أن بلداً بحجم مصر لا يمكن أن يدار بعقلية جماعة سرية أدمنت التآمر، وأن مهارات القيادة السياسية وحكمتها، لا يمكن أن تدرّس في الأقبية والكهوف، ومن أدمن الظلام والفشل أعشته شمس النجاح.

المصدر: صحيفة الاتحاد