المثقف الخليجي وأوباما.. أيمكن أن يكون أسوأ؟

آراء

ماذا يفعل الرئيس الأميركي أوباما؟ هل لديه مشكلة فيما يتعلق بالشؤون الدولية؟ ما هي مشكلته ومشكلة إدارته تجاه منطقة الشرق الأوسط؟ وحتى توضع هذه الأسئلة في سياقها يجب أن نسرد بعض قراراته.

مثلا، تعلم إدارته أن خطر «القاعدة» وحركة طالبان والإرهاب لم يزل قائما في أفغانستان ولهذا قرر الإصرار على سحب قواته من هناك. وفي منظومة الأعداء والأصدقاء يتخذ دائما قرارات معاكسة لما يفترض أن يكون، فمثلا يفترض أن روسيا والصين أعداء استراتيجيون للولايات المتحدة، وأن بريطانيا وفرنسا وألمانيا هم حلفاؤها، ولهذا قرر أن يمشي خلف استراتيجية الرئيس الروسي بوتين في صعود روسيا كقوة عظمى وفي حصر القضية السورية في السلاح الكيماوي، وقرر في الوقت نفسه أن يتجسس على الرئاسة الفرنسية وعلى الهاتف المحمول للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أي باختصار أن يتبع الأعداء ويتجسس على الحلفاء.

أي منطق يحكم هذه الرؤية! وفي سياساته تجاه المنطقة فإن أعداء أميركا معروفون تقودهم إيران وسوريا وحزب الله، أي محور ما كان يعرف بالممانعة، وحلفاؤها معروفون كذلك، يجمعهم محور الاعتدال أي السعودية ودول الخليج ومصر والأردن، فهل تغيرت تصرفات وقرارات أوباما تجاه الأعداء والحلفاء في المنطقة عما فعله دوليا؟ الواقع يجيب بالنفي، لقد اختار أن يفتح صفحة جديدة مع إيران ويرسل لها رسائل الود ويتصل برئيسها ويتواصل معها دبلوماسيا دون أن يأخذ في الاعتبار مصالح الحلفاء في المنطقة، وفعل الأمر عينه تجاه الأزمة السورية؛ فقد سمح أن تتفاقم وتتشابك وتزداد تعقيدا وذلك بوقوفه على الحياد بينما روسيا وإيران وحزب الله وميليشيات الفضل بن العباس كلها تشارك النظام السوري في قتل شعبه. خذل أوباما حلفاءه في المنطقة والعالم، ودول المنطقة المعتدلة تدرك جيدا حجم تخبطه تجاه مصر وتجاه سوريا، ويدركون عمق تأثير الأزمة السورية على مراكز القوى في منطقة مضطربة.

من الطبيعي جدا أن يكون للدول المعنية بالتخبط الأميركي في الأمم المتحدة وخارجها مواقف تعبر عن استيائها من ذلك، ولئن قال الملك عبد الله بن عبد العزيز من قبل في فبراير 2012 إن «ثقة العالم في الأمم المتحدة اهتزت» فلقد جاء قرار اعتذار السعودية عن مقعد غير دائم في مجلس الأمن ليلقي حجرا في ماء هذه المؤسسة الراكد ويثير التساؤلات حول جمود هيكلتها الذي يعيق دورها المنوط بها، وهو القرار الذي لقي تأييدا واسعا خليجيا وعربيا وإسلاميا، ودوليا من عدد من الدول.

في مسألة اهتزاز الثقة بالأمم المتحدة وبأميركا فقد عبر الرئيس الفرنسي قبل يومين عن نفس المعنى، وحذر هيرمان فان رومبوي رئيس المجلس الأوروبي من أن «فقدان الثقة يمكن أن يضر بالتعاون على صعيد التجسس»، وكذلك فعلت ميركل حين خاطبت واشنطن محذرة من أن «فقدان الثقة يصعّب العمل المشترك».

سعوديا، لحقت الاعتذار مواقف توضح حجم الامتعاض السعودي فقد نقلت «رويترز» عن الأمير بندر بن سلطان أن السعودية «ستجري تغييرا كبيرا في علاقاتها بالولايات المتحدة» وتبعه توضيح بأن ذلك سيشمل السلاح والنفط، ما استدعى تعليقات لاذعة في بعض الصحف الأميركية لتوجهات إدارة أوباما، تبعتها تصريحات لبعض المسؤولين الأميركيين تشيد بالعلاقات مع السعودية والحرص عليها والتي لم تتحول لأفعال بعد.

من جهة أخرى فإن ذلك يوضح بجلاء مكانة السعودية إقليميا ودوليا، وهو ما يثير الانتباه لمواقف بعض المحللين السعوديين والخليجيين في قراءة سياسات السعودية ودول الخليج، وخاصة أولئك المتأثرين بأفكار القوميين أو «الإخوان المسلمين».

فالمثقفون القوميون واليساريون العرب عموما لم يزالوا عاجزين عن رؤية سياسات السعودية ودول الخليج إلا من ثقب أنها «رجعية» و«حليفة للاستعمار» و«تابعة للغرب» ولا أسوأ من الخطأ إلا الاستمرار عليه.

أما «الإخوان المسلمون» فقد كانوا ينظرون للسعودية ودول الخليج نظرتين؛ الاستغلال أولا والتكفير لاحقا، وهم محضوا هذه الدول العداء بعد سقوط حكمهم في مصر.

إن مشكلة بعض مثقفي الخليج الذين يطرحون أنفسهم كمستقلين أنهم حين يقرأون سياسات دولهم إنما ينهلون من المصدرين السابقين، ولذلك تجد أنهم وبتأثير من أولئك قد ترسخت لديهم رؤية أن دولهم بلا قيمة إقليمية أو دولية فهم يحللون من خلالها، ومن هنا فهم في حال انكفاء دولهم السياسي يمجدون خصومها وفي حال انفتاحها الاستراتيجي يغضون من شأنها.

ومن هنا يمكن قراءة ردود فعل هؤلاء تجاه رفض السعودية لمقعد في مجلس الأمن – كما اعتادوا – على أنه علامة ضعف أو تهور، ومواقفهم تتسم بالاستمرارية والثبات بحيث يمكن رصدها تجاه مواقف سابقة كحرب حزب الله في 2006 و2008 والموقف من حركة حماس 2009 وكذلك في الموقف من احتجاجات 2011 وصولا إلى الموقف من مصر بعد 30 يونيو.

ربما كان شيء من هذه المواقف مفهوما قديما أثناء الصراع العربي/ العربي ولكنه عصي على الفهم اليوم، فالسعودية ودول الخليج ومصر والأردن هي التي ترفع راية الدفاع عن المصالح العربية العليا في حين أن خصومها السابقين تفرقوا أيدي سبأ. فالممانعون والمقاومون العرب رأى الجميع كيف قتلوا شعوبهم ونكلوا بها أيما تنكيل في ليبيا وسوريا. وتحالفوا مع العدو الإقليمي إيران، وخضعوا له بالكامل كما في العراق وسوريا.

ويصح هذا على حلفاء القوميين من «الإخوان المسلمين» الذين أرادوا الانحياز للمحور الإيراني، ومن ذلك تصريحات الغنوشي وسياسات «إخوان» مصر في السلطة، ومن قبل حكومة السودان و«حماس».

والمؤسف حقا أنه لم يزل بيننا من ينحاز لهؤلاء الذين أثبت التاريخ خطأهم وجرمهم نظريا وعمليا، وأثبت الواقع فشلهم بكل المقاييس.

هذا مع تأكيد أنه من الجيد ممارسة النقد للسياسات الداخلية والخارجية للحكومات، ومن المفيد تسليط الضوء على أي فساد، فدولة تخلو من ذلك دولة عاجزة عن رؤية الخلل والإصلاح والتطوير، ولكن ذلك ينبغي أن يكون مشروطا بالولاء للكيان السياسي أي الدولة نفسها وليس لحكومة أو شخص أو تيار.

ومشكلة هذا البعض من المثقفين الخليجيين أنه غالبا يرى في كل صواب لدولته خطأ وفي كل نجاح فشلا، بعكس نظرته للخصوم بحيث يرى في كل خطأ صوابا، وفي كل فشل نجاحا أو تفهما.

أخيرا، نحن هنا كما نرصد تناقضات أوباما نرصد هذه الظاهرة الشاذة خليجيا لإثارة الأسئلة وتحليل المواقف وتحريك الجدل.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط