الإعلام العربي.. مرحلة حرجة

آراء

الإعلام العربي، اليوم، يعيش مرحلة حرجة، يقف فيها على مفرق طرق، ليحدد مساره المستقبلي. إنها مرحلة «غرفة الإنعاش»، حيث ينتظر المريض العلاج المناسب كي ينجو من الموت أو الشلل.

الإعلام يعاني أزمة كان هو سبب جزء كبير منها، والجزء الباقي جاءه بفعل التطور وتغير الزمن، حيث الثورة التقنية والمعلوماتية فرضت مرحلة انتقالية طبيعية للإعلام، من «التقليدي» إلى ما يواكب به العصر، ليصبح رقمياً.

لكن الانتقال يتطلب الكثير من الشروط والوعي كي تكون القفزة مدروسة وناجحة، غير اعتباطية ولا تعسفية بحق الوسائل «الأم»، المرئية (التلفزيون) والمسموعة (الإذاعة) والصحافة الورقية. 

أمّا الجزء الأكبر من أزمة الإعلام، فسببها الأول الإعلام نفسه، حيث سمحت بعض وسائله لأي كان أن يجلس على كرسي المذيع، ويتحول إلى صحفي، وينشر أي خبر، ويدعي المعرفة في كل شيء، وهو جاهل، خلط الأوراق وخلق بلبلة تاه وسطها المتلقي حتى بات لا يصدق ما تبثه وسائل الإعلام خاصة الفضائيات، وبدأ البحث عن وسائل أخرى تقدم له الحقائق بالعين المجردة، من خلال كاميرا الهاتف المتحرك، وأي كاميرا يحملها الناس العاديون.. صار المشاهد هو صانع الخبر وصاحبه وناشره ومذيعه. صار هو صانع أفلام اليوتيوب، الذي يصور الحدث لحظة وقوعه، شاهد عيان يتبرع للإدلاء بشهادته علانية ومجاناً، من دون أن يطلب منه أحد أقواله، وتستعين به المحطات التلفزيونية لتدعم أخبارها بمقاطع من أفلامه. 

الإعلام العربي في كثير من المحطات فقد مصداقيته وفقد إنسانيته. ولعل منتدى الإعلام العربي الذي اتخذ عنواناً لدورته الخامسة عشرة «الإعلام.. أبعاد إنسانية»، والتي تنطلق اليوم في دبي بحضور كوكبة كبيرة من أهل المهنة، من دول مختلفة حول العالم، سيسلط الضوء على محطات مضيئة استطاع الإعلام أن يستعيد فيها روحه الإنسانية، من خلال تواصله مع الناس، وتسليط الضوء على همومه، والمساهمة في حل أزماتهم ومعاناتهم، بينما هناك «سقطات» للإعلام، خصوصاً المرئي، فقد فيها أي حس وكل مسؤولية تجاه مجتمعه وتجاه أهله وبيئته، ونقصد هنا وسائل الإعلام التي لعبت دوراً مهماً في إشعال الفتن في المجتمعات، وبعض الأوطان العربية، أحرقت كل شعارات «الموضوعية» و«المصداقية»، وتخلت عن الضمير، لتكون الفتيل الذي يشعل به التطرف نيران الحروب، وتكون الشاشة التي توصل صور وأصوات الإرهابيين وأفكارهم التخريبية. 

نتمنى أن يكون لقاء الإعلاميين في منتدى الإعلام العربي مثمراً، يحكون فيه بجرأة عن الأزمات التي تمر بها المهنة اليوم، وأزمة المشاهد مع وسائل الإعلام، وكيف نستعيد الوجه المشرق والرسالة النبيلة للإعلام، كي يمشي نحو التطور التقني بعد تطوره الإنساني والمهني.

المصدر: الخليج