رضوان السيد
رضوان السيد
عميد الدراسات العليا بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية - أبوظبي

الانتصار على الأوهام والأحلام

آراء

عندما كان طلاب الإخوان يمعنون إحراقا وتخريبا في كليات جامعة الأزهر خلال اليومين الماضيين، كان حسن نصر الله وضباط الحرس الثوري يقولون إنهم سيستمرون في القتال إلى جانب بشار الأسد؛ لأنه في حالة سقوط بشار فإن «ممتلكاتهم» في العراق وسوريا ستكون مهدَّدة! أمّا في العراق فإنّ المالكي مُصِرٌّ على التهجير والقتل (تعاونه الميليشيات الشيعية) في ديالي والرمادي والفلوجة، ومُصِرٌّ في الوقتِ نفسِه على إجراء الانتخابات (لاحِظوا حرصه على الديمقراطية!). أما كيف سينتخب المهجَّرون والمقتولون فهذا شأنهم. وقد بشّرنا أحد طياري المالكي بأنهم لا يكتفون بالإغارات على «الإرهابيين» بالعراق، بل هم مكلَّفون أيضا بالإغارة – بترتيباتٍ من الجنرال سليماني – على الثائرين على الأسد في سوريا. ومن جهة ثالثةٍ أو رابعة، بشّرنا لافروف، وزير الخارجية الروسي، بأنّ كيري قال له إنهم لن يعطوا الثوار السوريين أسلحة مضادةً للطيران، كما وعد رئيسه في السعودية وقبل المجيء إليها أيضا!

ما الفرق بين الإخواني والروسي والإيراني ونصر الله؟ الفروق قليلة وهي تنحصر باختلاف الجنسيات، أمّا الهدف العامُّ فواحدٌ، وهو مَنْعُ التغيير في البلاد العربية بأي ثمن! وبداية، فإنّ منطق الإخوان مثل منطق بشار الأسد ومثل منطق المالكي: نحكم أو نُحرق البلد! وكأنهم ورثوا سوريا والعراق ومصر ولبنان والبحرين واليمن عن آبائهم وأجدادهم، وإذا لم يساعدهم الأتراك فسيساعدهم الروس، وقبل ذلك وبعده، سيساعدهم بل يساعدهم بالفعل الأميركيون الأشاوس!

لقد وقعنا نحن العرب في الشرك، وهو شَرَكٌ مثلَّث: الانقسامات الداخلية التي يبلغ من عمقها أن يستعين كلُّ طرفٍ بالخارج، كما فعل المالكي وبشار والحوثيون والإخوان. والتواطؤ الإقليمي، بحيث إنه حتى في حالات التجاذب فإنّ الإيرانيين والأتراك والإسرائيليين لا يختلفون فيما بينهم، وإذا اختلفوا فإنهم يختلفون على أرضنا وليس على أرضهم هم. والتواطؤ الدولي فالأميركيون والروس اتفقوا منذ البداية على تولية الروس شؤون الحلّ. ولذلك فقد قاد الروس عملية «جنيف 1» عام 2012 عندما كانت المعارضة السورية في مرحلة الهجوم. وبالأمس في جلسة الحوار بالقصر الجمهوري بعبدا/ لبنان، وعندما طالب رئيس الجمهورية ممثلي قوى «8 آذار» بتطبيق مقتضيات إعلان بعبدا، ما استحى الرئيس بري من القول إن الوضع اختلف، فعندما صدر إعلان بعبدا كان القصد منه منع تيار المستقبل من التدخل في الأزمة السورية، أمّا الآن فالمُراد مَنْعُهُ طرفٌ آخَر (وهو يعني بذلك حزب الله)!

ولا بد من القول هنا إنّ التواطؤ الدولي والإقليمي قد يلتقيان. وهذا هو الذي يحصل في حالة سوريا وفي حالة العراق وفي حالة اليمن. فالأميركيون والروس معا لا يعتبرون التدخل الإيراني بالسلاح في الدول العربية إرهابا، بينما يساعدون ضدَّ الإرهاب الآخر: إرهاب «القاعدة» ومتفرعاتها!

ولنستعرض التحديات الداخلية والإقليمية والدولية لكي نرى أين يمكن أن يكون المخرج. في مصر خمدت تحركات الإخوان باستثناء طلاب الجامعات، وبخاصة جامعة الأزهر التي يشتدّ حقد الجماعة عليها، لأنها مرجعيةٌ إسلاميةٌ كبرى يعتبرون أنفسهم منافسيها منذ عقود. ثم إنّ الإرهاب في سيناء وخارجها لم يخمد بعد. والعامل الإيجابي هو خارطة الطريق التي بدأت ثانية حلقاتها بانطلاق حملة انتخابات الرئاسة بعد إقرار الدستور المعدَّل. ولا يزال أمام مصر إلى تحدي انتخابات الرئاسة: الانتخابات النيابية، والاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي. ويقول المراقبون، إنّ مصر تحتاج من أجل النهوض إلى سنواتٍ عديدة. والهمُّ أن تحفظ مصر نفسها وإن بقيت غائبة عن أدوارها، فقد غابت من قبل لعقود وما كنا شديدي القلق عليها مثل الآن. والبداية المصرية المقبولة والتونسية الجيدة، لا يمكن قول الشيء نفسه عنها في سوريا والعراق واليمن. وإذا كانت علل اليمن عديدة ومن بينها التدخل الإيراني؛ فإنّ سوريا والعراق علتهما الرئيسة التدخل الإيراني، وكذلك لبنان. فإيران في كل مكانٍ – حتى في فلسطين موجودة على خطّ أو على صدْع الانقسام الداخلي. وطريقتها واحدةٌ في كل مكان: استخدام المجموعات السكانية الشيعية في القسمة والتهجير والتفجير. وكلُّ من يعترض على الغَلَبة يتهدده الاغتيال والقتل باعتباره إرهابيا أو ضدَّ المقاومة! وهكذا يتوحد العاملان: الانقسام الداخلي والاستخدام الإيراني لهذا الانقسام من أجل الغَلبة ومناطق النفوذ، والمساومة على ذلك مع الأميركيين. والظاهرة الجديدة استخدام ذلك في التحالُف مع الروس أيضاً. ماذا يمكن أن نفعل؟ الواضح أنّ البدء ينبغي أن يكون مع الوحدات الوطنية الداخلية. وهذا عملٌ طويلٌ ومُضْنٍ، لكنْ ينبغي البدءُ به ومعه الآن. وأهمّ عقباته الأوهام والأحلام التي وضعتها إيران في أذهان المجموعات التابعة لها، وأنها تستطيع الاستمرار في ممارسة القتل والإرهاب من أجل الغَلَبة مهما أضرَّ ذلك بالدول والمجتمعات. ومثالا العراق ولبنان ظاهران وواضحان: فكيف يمكن إقناع المالكي والذين يتبعونه بأنّ العنف الطائفي قاتلٌ للجميع. وكيف يمكن قول الشيء نفسه لحزب الله وإقناعه به إذا كانت السنوات الأخيرة قد أظهرت أنّ سطوته تزداد في لبنان والآن في سوريا كلما ازدادت ممارسته للقتل والاغتيال فيهما وفي أماكن أخرى عديدة؟! إنّ هذه المحاججة توصل للقول إن الجهد الداخلي في البلدان العربية ينبغي أن يقترن بالمساعي الدبلوماسية مع إيران الموصلة إلى حوار استراتيجي في الأمد المتوسط، وبالواسطة أولا، وبالمباشر ثانيا. والوضع في سوريا أصعب، وفي اليمن أسهل. ففي سوريا الأولوية العاجلة لوقف سفك الدم، ونحن محتاجون إلى سياساتٍ قويةٍ من جهة، وإلى التدخل الدولي من جهةٍ ثانية. وقد فشل العرب في الأمرين حتى الآن؛ إذ إن المجتمع الدولي ما التزم إلاّ بالمساعدات الإنسانية. وتحجج دائما بالفيتو الروسي. والواقع أن الأميركيين سلَّموا لروسيا أيضا. والآن بعد واقعة القرم هم بحاجةٍ إلى التعاون الروسي خشية وقوع ضرر كبير بأوروبا، وفيها قوى نووية. ولذلك فقد يكون انتظارنا أن يضغط أوباما قليلا على الروس من خلال سوريا، يمكن أن يَثْبُتَ أنه خطأٌ في التقدير؛ إذ ليس لدى أوباما إلاّ قصة العقوبات، وتأثيرها يحتاج إلى وقتٍ طويلٍ، قد لا تصمد فيه أوروبا، لكنّ هذا المسعى الذي فشل حتى الآن لا يصح ولا يمكن أن يُترك؛ لأن القضية قضية دم وخراب لبلدٍ عربي عزيز. ولخرابه تداعياتٌ كبرى على لبنان والعالم العربي. ولهذا لا بد أن يقترن الجهد الدبلوماسي والسياسي، بعملٍ نقومُ به نحن العرب لنُصرة الثوار يشبه ما حاولنا القيام به عام 2012. والإيرانيون في اليمن يساعدون الحوثيين والانفصاليين، وهم عقبةٌ في طريق السلام والاستقرار، لكنْ هناك انقسامات أخرى قبلية وسياسية، إلى جانب الصراع بين الإخوان والحوثيين. وحول الرئيس السابق علي عبد الله صالح دائرةٌ متوسطةٌ الاتساع من الأنصار الذين ينفتحون الآن على الحوثيين وعلى الاشتراكيين نكايةً بآل الأحمر وبالحكم الحالي. لكنّ الخليجيين والدوليين موحَّدون في نُصرة اليمن واستقراره. ولذا فقد يكون هناك أملٌ في النجاة من الانهيار والمذابح العراقية والسورية!

إنّ علينا أن نكون على درجةٍ من الثبات، تدفع الخصومَ والأعداء إلى التفكير مرتين، بدلا من الاندفاع الحاصل حتى الآن باتجاه الأوهام والأحلام في إلغاء العرب، وشيطنة إسلامهم. ليس المطلوب الانتصار على كل الفرقاء لمنع تدخلهم، بل المطلوب الانتصار على الأَوهام والأحلام التي نسجها الإقليميون والدوليون اعتمادا على غيابنا أو استسلامنا!

المصدر: الشرق الأوسط