محمد خميس
محمد خميس
محمد خميس روائي صدر له من أمريكا رواية لفئة المراهقين بعنوان "مملكة سكابا" ، وله باللغة العربية مسرحية أدبية بعنوان "موعد مع الشمس"

الانتقام لايساوي جناح بعوضة

آراء

لم يستطع أحد أصدقائي، بعد مشاهدة فيلم “جانغو متحرر”، إلا أن يتمنى أن يظهر من بين الفنانين العرب، مخرجا بقدرات ترانتينو، ليشفي غليلنا بفيلم ننتقم فيه من كل أعدائنا، الذين لا يتوانون في كل يوم عن إقصائنا وظلمنا.

ثمة غضب كبير، يقبع في أعماق الشعوب التى مورس عليها الظلم في فترة ما في التاريخ، حيث ما يزال هذا الغضب يدفعهم إلى التمنى برجوع الزمن إلى الوراء للانتقام من الذين ظلموهم، بأعنف الطرق الممكنة، رغم أنهم ينتقدون وبشدة، العنف الذي وقع عليهم، ويصمون من مارسه ضدهم، باللاإنسانية، وبالوحوش عديمي المشاعر.

ولعل كوينتين ترانتينو، استطاع ببراعته المعتادة، التقاط هذا الجانب من شعور الغضب، وتلك الرغبة الملحة للانتقام، وترجمها في فيلميه الآخرين ” أوغاد شائنون” (أفضّل هذه الترجمة) و”دْجانغو” الدال صامتة، كما يطيب للممثل جيمي فوكس الذي أدى شخصية “جانغو” أن يكررها في الفيلم.

لكوينتين أسلوب خاص في الإخراج، وكل من يشاهد أفلامه وإن لم يكن على دارية باسم المخرج، فإن طريقة إخراج الفيلم، ستشي وبشكل صارخ باسم ترانتينو، كما أنه يحب ان يظهر في مشهد بسيط جداً في أغلب أفلامه.

ترانتينو، هو الوحيد الذي استطاع أن يغتال هتلر بل ويحرقه، وينتقم لكل اليهود على ما فعله بهم، ولم يقتصر على إحراقه فقط، وإنما تلاعب بكامل القيادة النازية، ودفعنا للضحك عليهم، والاغتباط بموتهم واحتراقهم في النهاية.

وفي فيلمه “جانغو” تمكن ترانتينو، من الانتقام للسود، ضد الرجل الأبيض الذي استعبدهم، حيث انتظر السود طويلاً انتقامهم من الرجل الأبيض، ولم يشف غليلهم فوز أوباما بالرئاسة الأمريكية، فنيران الظلم والاستعباد التى أحرقتهم لسنين طويلة بدت بلا نهاية، وأصوات السياط التى ألهبت ظهورهم على كل كبيرة وصغيرة، لم تفارق آذانهم بعد، ومازلت تجردهم من إنسانيتهم، مما يؤجج مشاعر الانتقام لديهم، والانتقام بعنف.

وما كان لهم لينتقموا بالعنف المطلوب لولا ترانتينو، الذي جعل جانغو الأسود، يتلذذ بقتل أعدائه، بلا رحمة، وينتقم في الأخير لجميع السود الذين استعبدوا بحرقه كل شيء يرمز للسيد الأبيض، بل وقدم في النهاية مشهد رائع لصامويل جاكسون وهو يحترق، ليخبرنا بأن أكبر الخاسرين هو من يخون أبناء جلدته.

الانتقام الرمزي، يوصلنا إلى النشوة والبهجة، لرؤية أعداءنا وهم يتساقطون الواحد تلو الآخر، ويشفي غليلنا، ولكن ألا يعني ذلك في نفس الوقت، أن أعدائنا ما زالوا الأقوى؟

رغم مرور سنين على رحليهم، فهتلر مازال المتصرف في اللاوعي اليهودي، والرجل الأبيض ما انكفأ يؤرق نوم السود، ولولا ذلك لما إبتهج اليهود لفيلم “أوغاد شائنون” ولا السود لفيلم”جانغو”.

أفضل طريقة للانتقام، هي المضى قدماً بحياتنا، دون الالتفات إلى الوراء، وأنجع سلاح للرد على ظالمينا، هو تتويج أنفسنا بالانجازات، حينها لن يساوي الظالم جناح بعوضة.

خاص لـ “الهتلان بوست”