عبدالله المغلوث
عبدالله المغلوث
كاتب وصحفي سعودي

الحلاق «عظيم»

آراء

لدى ابن عمي صديق اسمه عبد اللطيف. تربط هذا الرجل علاقة وثيقة بحلاق هندي يدعى عظيم. تمتد هذه العلاقة إلى نحو 20 سنة. لا يحلق عبد اللطيف إلا عند عظيم. إذا طال شعر عبد اللطيف وأصبح أشعث أغبر اكتشفنا أن عظيم يقضي إجازته السنوية عند أسرته في الهند. فعبد اللطيف مؤمن بأن عظيم الوحيد القادر على إدارة تضاريس رأسه. فهو يرى أن الساعات الطويلة التي صرفها على رأسه جعلته الوحيد الذي يستطيع إخفاء عيوبه وشعره المتلوي في بعض أجزائه. فعندما يجلس عبد اللطيف على كرسي عظيم لا يترجل منه إلا بعد نحو ساعة أو أكثر. واصل صديق ابن عمي ارتياده لهذا الحلاق رغم تهكم رفاقه المستمر عليه وعلى العلاقة الغريبة بينهما. فكلما خرج من باب الاستراحة التي تجمعه مع أصدقائه قالوا له بصوت يكاد أن يكون واحدا: أكيد ستذهب للكوافيرة عظيم قياسا على الوقت والمبلغ الذي ينفقه في صالون عظيم. فلا يكتفي عبد اللطيف بدفع أجر الحلاقة، بل يمنحه في كل مرة يزوره فيها ما يقدر بنحو 100 ريال سعودي رغم أن التكلفة لا تتجاوز 20 ريالا أو نحوها في “صوالين” الحلاقة المجاورة. كان يردد عبداللطيف على مسامع أصدقائه المحتجين أنها نقوده وهو حر بها. وأن جل ما يهمه أنه يشعر بسعادة كلما نظر إلى المرآة بعد الحلاقة.

قبل فترة قصيرة انتكس حال عبد اللطيف. كان هناك ما يعكر صفوه. أسر لصديقه المقرب أن كفيل عظيم قرر ألا يجدد تأشيرته. كان الخيار الوحيد أمام عبد اللطيف هو أن ينقله على كفالته ويفتتح صالون حلاقة فقط ليظل عظيم بجواره ولا يرحل. رتب عبد اللطيف كل شيء لافتتاح الصالون لكن عظيم أخبره أنه قرر الرحيل ولا يريد البقاء. عادت النكسة. أضرب عبد اللطيف عن الحلاقة نحو ثلاثة أشهر حزنا وضيقا. أرغمه ابنه بعد محاولات مستميتة على الحلاقة عند حلاق يثق به. كانت المفاجأة أن الحلاقة راقت لعبد اللطيف تماما. تعلمت من هذه القصة درسا أن هناك أشياء كثيرة جميلة حولنا لم نكتشفها؛ لأننا ببساطة لم نجربها. ظللنا أسرى لوهم يعشش في رؤوسنا أنه لا بديل أفضل منها.

هناك مثل الحلاق عظيم في حياة كل فرد منا. أرجوكم لا تسلموا رؤوسكم لهم. هذا العالم مليء بالخيارات الشيقة.

المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2015/01/01/article_919400.html