كامل يوسف
كامل يوسف
كاتب في صحيفة البيان

الدرس الكبير

آراء

لا تزال مصر تواجه تحديات تطل برأسها كل يوم، وخاصة في مجال الأمن الذي لا يمكن القول إن كل شيء هادئ على جبهته الآن، خاصة مع تهديد جماعة الإخوان المسلمين بتحويل الثلاثين من أغسطس إلى يوم للإحراق والقتل والدمار.

لكن هذا كله بسبيله إلى الانحسار، إن لم يكن اليوم ففي الغد القريب، ليتيح لمصر أن تقلب صفحة هذه الجماعة الفاشية إلى الأبد، وأن تستأنف مسيرة البناء والتنمية والانطلاق إلى المستقبل، بمزيد من القوة والإصرار.

في غضون ذلك، فإن على القوى الوطنية في مصر ألا تدع هذه المهام، رغم طبيعتها العاجلة والضرورية، تحجب عنها الدرس الكبير الذي حملته ثورة 25 يناير وموجتها العارمة الثانية في 30 يونيو.

في اعتقادي أن هذا الدرس الذي يتعين على هذه القوى الوطنية الوقوف أمامه واستيعابه، هو أنه إذا كانت هذه الثورة قد أكدت شيئاً فهو أن تجربة التحديث المصرية تعاني في صميمها خللاً لا بد من التصدي لعلاجه على المستوى الاستراتيجي، وإلا فإن مصر ستخرج من أزمة لتقع في وهدة أخرى.

هذا الخلل الجوهري في تجربة التحديث المصرية، هو نفسه الذي سمح بالانتقال من النقيض إلى النقيض ما بين عصري عبد الناصر والسادات، وهو الذي جعل مصر تتردى في ركود مروّع دام ثلاثين عاماً من حكم مبارك، ووصل بها إلى أن يكون التوريث شيئاً متصوراً.

هذا الخلل هو أيضاً الذي سمح لجماعة فاشية بأن تفرض حضورها في الشارع المصري، وأن تقفز إلى السلطة، وأن تنطلق على مدار عام في تنفيذ برنامج رهيب، كان يمكن لو قطع شوطه كاملاً، أن يمضي بمستقبل مصر إلى هوة بلا قرار.

وهذا الخلل هو نفسه الذي تكشف عن قصور معيب في العديد من المؤسسات المصرية، وصل ببعضها إلى مشارف الانكسار، وربما كانت المؤسسة العسكرية المصرية هي الاستثناء البارز في هذا المجال.

الذين يتحمسون لعودة مصر إلى العمل والبناء، عليهم أن يأخذوا هذا الدرس الكبير في الاعتبار، وأن يبذلوا قصارى جهدهم لكي تقترن العودة المنشودة إلى السير على طريق المستقبل، بالإصلاح الجذري للخلل في تجربة التحديث المصرية.

ما من دولة في الدنيا مضت في طريق التحديث إلا على ساقين قويتين، هما الإدارة والتعليم. والإدارة في مصر لا يمكن القول إنها تنتمي إلى هذا العصر وتحدياته، ومن ثم فتحديثها بالمعنى العلمي الصحيح مهمة لا بد من إنجازها بكاملها وبأقصى قدر من الكفاءة. والتعليم في مصر بحاجة إلى إعادة بناء جذرية، تربطه بدولاب الإنتاج وبآليات العمل في عالمنا الحديث.

إن مواجهة التحديات اليومية، على الرغم من خطورتها وإلحاحها، لا تعني صرف النظر عن هذا الدرس الكبير، لأنه هو وحده الذي يكفل لمصر مكاناً بين الأمم الناهضة في عالم المستقبل.

المصدر: البيان