الشيعة السعوديون في سبيل الدولة الوطنية

آراء

أكثر ما شد كاتب المقال للمسألة الشيعية في السعودية هو ما كتبه كامل الخطي بعنوان (الإسلام الحركي الشيعي يطل على القطيف مرة أخرى)، وما طرحه حسن المصطفى بجريدة النهار العربي بعنوان (لقاء الضاحية الجنوبية.. هل يعيد العنف الثوري).

وما كتبه محمد الحرز بعنوان (الحراك السياسي الشيعي وضرورة المراجعة)، ثم تلاه لقاء معه أيضاً في (سؤال مباشر) عبر شاشة العربية مع الإعلامي القدير خالد مدخلي.

طبعاً هناك ردود أفعال متداولة داخل الفضاء الشيعي على هذه الأطروحات ومن أطراف (علمانية)، ومن أهمها مقالة منسوبة للكاتب البحريني علي الديري بعنوان (إلى صديقي حسن المصطفى: هل يجب ألا نخاف؟).

طبعاً نحاول هنا ومن خلال استقراء الخط العام الذي تسير فيه هذه النماذج (الخطي، المصطفى، الحرز، الديري)، وكلهم من أنصار (الدولة المدنية) مؤمنين بركنها الركين في تعزيز (المواطنة) مع اختلاف الأخير (الديري) في إمكانية ذلك داخل الفضاء الخليجي لأسباب يمكن إرجاعها لمشكلة توازي (الإسلاموفوبيا) في عقول بعض الكتاب الغربيين، لنجد لدى بعض الشيعة -والديري (ربما) منهم- موقفاً ضد السنة يمكن تسميته (فوبيا السنة)، ولدى بعض السنة موقفاً ضد الشيعة يمكن تسميته (فوبيا الشيعة).

والفوبيا خوف نفسي (مرضي) يستثمره (الطائفيون من السنة والشيعة)، ويعالجه (الوطنيون) وفق إطار ما نصت عليه المادة (12) والمادة (39) من النظام الأساسي للحكم في السعودية.

وهنا نحاول طرح مقاربة لمشاهد (من خارج الدائرة الشيعية) لما يحصل على المستوى الشيعي السعودي، فكما أن سردية الفضاء السني في السعودية كبداية لأزمة الصحوة التي استمرت لعقود تتكئ على (ظهور جهيمان)، فإن سردية الفضاء الشيعي تتكئ على التاريخ نفسه بظهور (الخميني)، والباحث يدرك تماماً حجم التضاد (البرزخي) بين أيديولوجيا (جهيمان والخميني) مع اتفاقهما على ضرورة (خروج المهدي)، لكن الأول استخرجه!، والثاني (حل مكانه) حتى يخرج!.

ولهذا فمن الطبيعي أن يصنع هذا التضاد البرزخي بين الأيديولوجيتين تصعيدا طائفيا يأتي على شكل (قلق وتوتر شيعي) من تسيد الخطاب (الجهيماني) على الفضاء العام وانعكاسه عليهم كأقلية (وقد حصل وسمي صحوة)، وقلق سني مقابل من تغلغل الخطاب (الخميني/‏الثوري) في الداخل الشيعي (وقد حصل، وسمي صحوة أيضاً).

لو يلاحظ القارئ مفردة (الفضاء العام) فيما كتب أعلاه فسيظهر له أن الفضاء العام في السعودية اقتسمته (صحوتان) صحوة شيعية حركية تشبه تقريباً في معظم تفاصيلها الصحوة السنية، الفارق الوحيد أن كل صحوة حددت فضاءها الخاص (بخطوط) ظهرت بلونها الأحمر الفاقع في (إرهاب) ضد الدولة يتناسب في خطره بحجم كل كتلة، ولهذا فعند المقارنة بين الخطرين فإن خطر الصحوة السنية في وجود (15) إرهابيا من أصل (19) في حادثة 11 سبتمبر وما استتبعه من (إرهاب) داخلي، وأثر ذلك على الدولة إقليمياً وعالمياً، لا يقارن بأي شيء آخر، وربما انعكاساته مستمرة حتى وقتنا هذا.

ما نريد قوله إن الإيقاع الشيعي السعودي هو انعكاس متوافق ومحاكي للإيقاع السني السعودي في الوقوف مع أو ضد (الصحوة/‏سنية شيعية)، لكنه عموماً (متحفظ وحذر)، فكما أن الوطنيين (سنة وشيعة) يسعون في كل أطروحاتهم لترسيخ معنى (المواطنة والدولة الحديثة)، فإنهم بالمقابل لا يعنون أن هذه (المواطنة) تتحول إلى أداة (فاشية) لتصفية طرق (الصوفية الأشاعرة والماتريدية أو طرق السلفية العلمية أو السلفية الحركية أو السلفية الألبانية والسلفية المدخلية، بالإضافة إلى طرق الاثني عشرية أو الإسماعيلية)، بقدر ما يعنيها (توحيد الفضاء العام) باتجاه (دولة مدنية حديثة) فقط.

ولا شيء يعلو على (الوطن والمواطن)، وبعدهما تأتي كل الهويات الصغرى باستثناء أمرين (الخمينية الثورية، والسلفية الجهادية)، فلا نقبل رائحتهما بجوار وطننا، عدا أن تكون على تراب أرضنا، فالخمينية الثورية هي رستم فرخزاد يبكي دماء الفرس في القادسية بأناشيد الحسينية، ليمد بالمغفلين والأنذال من بني يعرب بساط فارس على أرض العرب، أما السلفية الجهادية فهي كالمنبت الأحمق لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.

ولهذا فالموقف الشيعي تقريباً مثله مثل مواقف المذاهب السنية في العالم الإسلامي التي قد تنتج في حالة الاستقطاب الإقليمي والدولي (مؤتمر غروزني) آخر، وقد تنتج في حالة الرشد الإقليمي (مؤتمر وثيقة مكة المكرمة)، وعليه فكلما اتجهت رؤية 2030 العظيمة إلى ترسيخ مفهوم (المواطنة) اتجه الشيعي والصوفي والسلفي إلى الحفاظ على (هوياتهم الصغرى) باعتبارها تنوعا مذهبيا طبيعيا موجودا في كل بلاد الدنيا، واعتبارها تعددية طبيعية كتعددية مذاهب الحجاج والمعتمرين إلى بيت الله الحرام الذين تستقبلهم المملكة العربية السعودية على (مدار العام) بكل رعاية واهتمام باعتبارهم (ضيوف الرحمن) دون أي تمييز، بل إن ترسيخ هذا المفهوم يساعد على المستوى الاقتصادي في ثقة الدول الصناعية وشركاتها الكبرى في نقل مقراتهم للاستثمار الداخلي، آمنين على موظفيهم (متعددي الأديان والمذاهب) من (التغول العقائدي) الذي يمارسه من يفهم معنى (الدولة) وفق معطيات (المختار الثقفي أو الحجاج الثقفي)، كأنه لم يدخل بعد عصر (هيئة الأمم المتحدة) في (دولة المواطن)، ومواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

المصدر: الوطن السعودية