الغائب الحاضر.. شعلة لا تنطفئ

آراء

العظماء لا غيمة تغطي هاماتهم، ولا نجمة تسبق ضوءهم، بل على الأرض مطر، وفي السماء قمر، وفي وعي الناس ذاكرة مخضبة بحناء الفرح، وكتاب مسطر بمفردات النماء والانتماء، ومنمنمات تلون العقل بأحلام أزهى من الشمس، وأبهى من الورد، هم في الحياة أيقونة ترسخ الحب مثالاً ونموذجاً، هم في الحياة قيثارة أوتارها مشاعر عشاق التأمت أرواحهم على تاريخ من التلاحم، وتلك شخصية تلهم، وتفتح للوعي مدارك مستقبل، تفتح نوافذ للمدى، تفتح أسئلة للحياة، إجاباتها معطيات لا تعد ولا تحصى، وجملتها تتعمق في القلوب كأنها الجذور في أتون الأرض.

رحل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عن العيون، وظل في الصدور آية من آيات الخلود، ظل في وجدان الناس صورة من صور التاريخ المضيئة، وظل في الوطن أثراً ومآثر تحكي قصة رجل من هذا الزمان، ملك القلوب بشخصيته الكاريزمية الفذة، وهالته المطوقة لوجود الناس، وأحلامهم، ظل هذا الزعيم علماً بارزاً ليس في الإمارات فحسب، وإنما في العالم، فعندما يذكر العظماء، تبرز صورة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، على لوحة العقل، متألقة برونق الزعامة، متدفقة بمهارة الفخامة، واليوم وبعد عشرين عاماً من الرحيل، نقرأ على سبورة الوطن، محيا الشيخ الجليل، وعلامات المجد المجيد تسطع على جبين من أحب الله، فحبب الناس فيه، الشيخ زايد وهب لنا أعظم منجز، وهب لنا اتحاد الإمارات، وهو الذي كان حلمه بأن تتوحد الأغصان ليعلو جذع الشجرة وتصبح ظليلة، جذرها في الأرض، وفرعها في السماء.

رحم الله الشيخ زايد، وأيد بقدرته الأبناء الأوفياء، والذين أمسكوا بالسارية، وذهبوا بعلم الإمارات نحو غايات تلبي أمنيات الراحل، وتؤكد أن هذا الوطن محظوظ بقياداته، ثري بالعظماء الذين يتداولون المسؤوليات الوطنية، بحب وشغف العشاق، حتى أصبحنا اليوم في العالمين مثالاً يحتذى به، ونموذجاً تقتدي به الأمم.

عشاق نحن، وحب الوطن شريان محبتنا، عشاق نحن، وتراب الوطن السندس والإستبرق.

كل هذا يحدث، لأن الإرث عظيم، ولأن من رسخ المعطيات، مد اليد بإلهام من قدرة قادر حكيم، ولأن من بنى كان يؤسس لمدى أبعد من المدى، ولأن من أسس، كان يبني لشعب أحبه، ووضعه موضع الأبناء في قلب الأب.

رحل الشيخ زايد، ولم تغب مآثره عن العيون والقلوب، بل هي إلهام للأجيال، وهي كتاب مفتوح للقادمين من جهة المستقبل، هي موعظة لكل من يحب الحياة، وهي عبرة لكل من يهوى أن يكون الوطن، الحضن، والحصن، والسكن، وهذه الإمارات اليوم، تسير بقدرة قيادة استلهمت من الباني والمؤسس، فكرة كيف نكون ضلوعاً لصدر واحد، يشد بعضنا بعضاً، ونمسك بالحياة من رموشها، كحل، وأثمد، لتبقى الإمارات في العالم محارة الوجد، ونبضة الوجدان.

المصدر: الاتحاد