ياسر الغسلان
ياسر الغسلان
كاتب و مدون سعودي

الغاضبون لا يبنون دولا

آراء

لدي قناعة متأصلة بأن الثوار بطبيعتهم لا يملكون الأدوات التي تساعدهم على التعاطي مع السياسة وفق متطلبات اللعبة، فهم بطبيعتهم غاضبون ومتمردون وصداميون رافضون لكل أنواع التعاطي وفق مبدأ المصالح والتفاوض والحصول على الممكن، بناء على المتاح والظروف التي يمكن التغلب عليها.

فشل الاتحاد السوفيتي في البقاء كنظام سياسي، لأنه انتهج أيديلوجية ثورية بالأساس، فاستطاع الصمود لفترة حتى وصل لحافة الانهيار، فانهار أمام ذكاء البرغماتية السياسية الدولية و”لوبيهات” المصالح داخل وخارج تلك الدولة المجمعة لتترك لنا مجموعة من الدول المستقلة يدور كل منها في فلك ما تراه نظاما صالحا لها، وفق مصالح سياسييها الذين عملوا في الخفاء حتى استطاعوا تفكيك ذلك المارد من الداخل.

في لبنان، كما في الأراضي المحتلة، يستمر فشل العقلية الثورية في حكم العامة وفي تقرير السياسة الأصلح لبناء الدولة، فحزب الله منشغل بتيسر الظروف التي تحمي استمراره بالاعتماد على دعم ولاية الفقيه، وتستمر حماس في تحدي العالم باستخدام لغة الرفض والتحدي، لا على أسس السياسة والتمويه، بل على أسس المحارب الخانق على ظروفه ومظلومية قضيته، فلا يسعى لكسب التعاطف السياسي، بل يرى أن البكائيات هي طريقه للتحرير.

كيف نتصور أن يكون الحال في الشقيقة مصر وقد حكمها اليوم نظام ثوري طالما اتبع العمل السري في تحركاته وتعاطيه مع الوضع السياسي لعقود طويلة، ونحن نرى اليوم أن رفض الآخر لمجرد اختلاف الرؤى السياسية أصبح نهجا ممنهجا، كما أصبح تكميم الإعلام عملا ممارسا بشكل يومي.

إن المخيف في الحالة المصرية هو أنها وصل بها الأمر لاعتقال أحد الصحفيين بحجة تطاوله على الرئيس وعلى الدين، وذلك في تبرير ذكي جدا للتجريم وربط نقد الرئيس بنقد الدين لنكتشف ولاية فقيه سنية جديدة، مرجعها منطق الثائر الرافض والمتمرد المتشكك والعقائدي الساعي لتصدير نهجه الثوري عبر الصدام والتحدي، باختطافه للدين وحقيقته.

ليس غريبا أن تكون الدول الناجحة عالميا، مثل اليابان وألمانيا، هي تلك التي خرجت من كبوتها في الحرب العالمية الثانية بإعادة النظر لمستقبل شعوبها بطريقة برغماتية سياسية غلبت المصالحة على الشعارات، وانتهجت خطا واقعيا مشحونا بالطموح في البناء ورد الاعتبار، أما الدول التي خرجت منتصرة، كالاتحاد السوفيتي، بعقيدتها الثورية فلم تستمر طويلا، فاستقرت كما تستقر كل العقائد التي يرفضها العقل البشري السليم في مزبلة التاريخ، لتبقى درسا وعبرة لمن يعتبر.

المصدر: الوطن أون لاين