الفوضى الخلاقة.. قوة تدميرية

آراء

هل فعلاً يعيش العرب «فوضى خلاّقة»؟. وهل فعلاً هنالك أيادٍ خفية تلعب في مصائر الشعوب والحكام معاً في الوطن العربي؟.

إن الأحداث القريبة منا تدل على ذلك؟. وتُدخلنا مدارات الدهشة!. مَن نُصدّق ومَن نُكذب؟ وهل القرار السياسي والعسكري فعلاً لم يعد في أيدي العرب ولو كانوا من أقوى الأقوياء في اللعبة السياسية؟.

وهل ثورات « الربيع العربي» ما هي إلا « حُلم يقظة» استفاق منه العرب على حقيقة أن « الطغاة» السابقين (أهوَنَ الشرّين) كما نقول؟. وأن البلاد العربية التي «ضربتها» تلك الثورات عادت إلى الوراء ثلاثين أو ستين عاماً، كي تدخل متوالية جديدة، اعتقدت تلك البلاد أنها تخلصت منها؟.

ويُصر بعض المفكرين العرب على وجود «فوضى خلاّقة» في العالم العربي عمادها الأيديولوجية وأطرافٌ خارجية – تماماً كما كانت « نظرية المؤامرة» التي أصابت العالم العربي في الثمانينات!، وأن الغرب والولايات المتحدة لا يعنيهما فرضُ الديموقراطية في هذا الجزء من العالم، بقدر ما يهمهما «تفكيك» المُفكك وتشتيت المُشَتت وخلق بؤر صراع داخلية لصالح الصهيونية!.

وقد سقطت «عروشٌ» وقامت « عروش»، وانفضّت « تحالفات» وقامت « تحالفات» حتى بين الدول التي كنا نعتقد أنها «متضامنة»! الأمر الذي يزيد من دهشة المواطن العربي وحيرته.

كما توجس البعض من « قدرة « الولايات المتحدة على خلق « شياطين» في العالم العربي يقضّون مضاجعَ « الملائكة «! بل وطرد هؤلاء « الشياطين» من « فردوسها» متى شاءت. ولعل قيام ( القاعدة) وتحالفاتها مع القوى الإسلامية في عديد من دول العالم العربي خير دليل على دور أمريكي « مُبهم « ولربما واضح لقيام « الفوضى الخلاّقة « التي نشهدها اليوم.

البعض يرى أنه في ظل غياب مشروع فكري محدد وواضح، لن تسلم هذه البلدان من هذه الفوضى!. ذلك أن الثورات العربية قد جاءت بفعل « ثوران» الدم لدى الشباب، دون أن تكون هنالك أهداف محددة سوى إسقاط النظام!.

ثم تكشّفت «عورات» تلك الثورات بتخبط أصحابها تارة، أو» اختطافها» تارة أخرى من أيدي أصحابها! أو تناحر أهل الثورات على « الكرسي»! ما ولّد العنف والعنف المضاد في تلك الثورات السلمية.

وجزء من هذا المشهد يتجسّد في الإفراج عن الرئيس المصري المخلوع (حسني مبارك) ووضعه الإقامة الجبرية لا السجن، ما أثار ردودَ فعل غاضبة في الشارع المصري، الذي لم يلملم جراحه بعد الثورتين الحديثتين، في حين تم إدخال الرئيس المعزول (محمد مرسي) السجن. حيث يتهم البعض الجيشَ باختطاف الديموقراطية عنوة!. ومن المؤكد فإن توقيت تبرئة (مبارك) قد خلق توجساً من دور الجيش- الحاكم في مصر – ومحاولته إعادة الدولة العسكرية، التي أطاح بها الشعب!. كما أن التبرئة المذكورة تدل على أن القضاء المصري «مُرتهن» بيد العسكر، وفي ذلك مساسٌ كبير بالديموقراطية و»نزاهة» القضاء المصري!.

لقد انتقد كثير من المحللين والدول الكبرى أيضاً استخدام الجيش وقوات الأمن للعنف مع المتظاهرين المصريين، وصدرت تصريحات عالمية بوقف الجيش آلتهُ الحادة، واللجوء إلى الحوار، كما انتقد آخرون «إصرار» جماعة (الإخوان المسلمين) على التظاهر في تحدٍ واضح لقانون منع التظاهر.

وفي كل بلدان (الربيع العربي) نجد أحداثاً خالفت مبادئ الثورة المعلنة!. فمن تونس إلى ليبيا إلى مصر إلى اليمن إلى سوريا، نلاحظ استمرار الاختلاف حول شكل الحياة الديموقراطية، وأيضاً تغلغل الأيديولوجيا بشكل واضح في الحوار، حتى لو أدى الأمر إلى الاحتكام إلى السلاح، بل والكيماوي منه كما حدث في ريف دمشق.

لم تحسب الولايات المتحدة آثار ما بعد « خلق» (القاعدة) في أفغانستان!. حيث انتقل الصراع – من صراع ضد الملحدين السوفييت – إلى عنف واضح داخل بيوت حلفاء الولايات المتحدة، بل وفي عقر دارها عام 2001 ، حيث « غزوتا « (بن لادن) كما أسماها على نيويورك وواشنطن.

والآن يتطور المشهد « الثيوقراطي» في مصر وتونس واليمن. إذ ما عادت المطالب الحقيقية للثورات ماثلة في أعين هؤلاء، قدر ما يتجلى في بصيرتهم القضاء على الطرف الآخر مهما كان الثمن، وفي ذلك إخلال بمقاييس الثورات.

لقد فشل مشروع ( الشرق الأوسط الجديد) وسقط « الحلم» الديموقراطي الأمريكي في العراق. وهاهو الرئيس الأمريكي ( باراك أوباما ) – ومن خلفه الغرب – متردد في تصديق حادثة (المجزرة الكيماوية ) التي ارتكبها النظام السوري في ريف سوريا، مكتفياً بالقول: إن الحدث جلل! متعللاً بعدم وجود غطاء دولي لأي تحرك أمريكي عسكري لوقف المجازر التي يتعرض لها الشعب السوري.

ومن هنا يمكننا التيقن من أن مشروع « الفوضى الخلاقة» لن ينجح إلا بتدمير البلدان العربية وخلق بؤر توتر وعنف وصراع مستمر، خصوصاً مع تلاشي « حلم « إقامة ( الخلافة الإسلامية ) كما كانت في أذهان بعضهم، بعد الثورة المصرية الثانية أو ما سميت « الانقلاب العسكري» على الثورة، وكذلك فشل المحاولات لاجتثاث شأفة (القاعدة) من الأراضي العربية.

المصدر: صحيفة الشرق