القبيلة والثورة!

آراء

الدهشة من تعاطي القبيلة اليمنية مع الحدث اليمني تنبئ – من ضمن مسائل أخرى – عن فهم خاطئ في أصله لثقافة القبيلة العربية. فحالة الاستغراب والانبهار من كون القبائل اليمنية لم تلجأ للعنف وهي المدججة بكل أنواع السلاح ليست إلا نتاجا لصورة نمطية ظالمة للقبيلة العربية وعلى الخصوص قبائل الجزيرة العربية. إنها صورة ملتبسة في ذهن قطاع واسع من مثقفينا حتى بعض أولئك الذين ينتمون إلى القبيلة. وهي صورة تقزم القبيلة في سلوك همجي كما لو كان أبناؤها مجموعات تتوق للعنف ولا يمكن أن تحتكم للعقل والمنطق. القبيلة اليمنية أثبتت أنها صمام أمان حمى اليمن من الانزلاق نحو الحرب الأهلية التي سعى النظام السياسي لتأجيجها. وأولئك الذين يبالغون في وصف القبيلة كعائق أمام أي تطور ديموقراطي يتجاهلون كثيراً أنه في غياب البديل الملائم للقبيلة (كالأحزاب و مؤسسات المجتمع المدني) لن تتحقق ديموقراطية. الفرد في العالم العربي يلجأ غالباً لجماعته، عشيرته، قبيلته، طالما غابت المؤسسات البديلة. وفي كل الأحوال لا يليق بمثقف الجزيرة العربية تحديداً أن يتجاهل أدوار القبيلة في حماية أفرادها و في حفاظها على السلم الاجتماعي كما تفعل اليوم في اليمن وهي البلاد النائمة على براكين الفتنة والفقر والأوضاع القاسية. لكن ما يفترض أن ننبذه هو أن يتحول الانتماء القبلي إلى نظرة فيها عنصرية أو فوقية على الآخرين أو تقزيم القبيلة بتاريخها العريق في استعراضات شكلية عنوانها «الهياط» والتبذير. أما منتقدو «القبيلة»، خصوصاً من مثقفينا الذين لا يرون سوى جانب واحد للقضية، فإني أقترح عليهم استثمار تجربة القبيلة اليمنية المعاصرة لإعادة قراءة أدوار القبيلة في زمن «التخويف» بالقبيلة التي هي أذكى من أن تستخدم كفزاعة من أجل استمرار الاستبداد والفساد.

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٧٦) صفحة (٣٦) بتاريخ (١٨-٠٢-٢٠١٢)