خليل علي حيدر
خليل علي حيدر
كاتب كويتي

المسيحيون العرب… أمام زحف الإرهاب

آراء

عاش المسيحيون في العالم العربي وبأعداد كبيرة وصغيرة، قروناً مديدة بسلام ووئام، دون أن يطالهم التضييق والتهديد بالقتل والتهجير الجماعي، كالذي يحاصرهم اليوم في دول عربية عديدة، ومنها العراق وسوريا ومصر ولبنان، حيث ترك الآلاف منهم هذه البلاد وهاجروا منها إلى أوروبا والولايات المتحدة.

ويأتي التعصب الديني والتمييز الطائفي، في مقدمة أشكال التضييق والتهديد، والذي يصل في أكثر من دولة ومن مناسبة، إلى حرق الكنائس ونهب المحال وقتل الأشخاص واختطاف رجال الدين.

ولكن إنْ كان بعض المسلمين كثيراً ما يفعلون مثل هذا، وما هو أفظع بمسلمين مثلهم، لاختلاف سياسي أو مذهبي، ويفتي فيه بعض شيوخ الإرهاب أن من يقتل فرداً أو فريقاً من المغضوب عليهم، ينال الأجر العظيم، ويظفر بالشهادة والنعيم، فكيف ينجو المسيحي وبقية «أهل الكتاب»؟

فها هو العراق مثلاً، منذ أن خرج من كابوس صدام، يقترب من «سنة عاشرة تفجير»، حيث دارت عجلة التفخيخ والقتل يومياً منذ عام 2003، والتي اعتبرها بعض العرب وكثير من الإعلاميين من صور «المقاومة الوطنية الشريفة» ضد الاحتلال الأميركي، والتي حصدت من أرواح المسلمين العراقيين.

وها هم كذلك أتباع جماعات الإرهاب ومن يواليهم في سيناء بمصر مثلاً، يقتلون الناس ويفجرون المركبات، ويُنزلون الجنود من الحافلات ويقتلونهم على الرصيف بدم بارد ودون رحمة، فيما يقول لهم فقهاء إبليس الذين يجيزون لهم هذه الفظائع إن المصريين كفار، وجندهم يدافعون عن نظام جاهلي مرتد، وأنهم أوجب اليوم بالقتل من أي عدو آخر.

ونطالع في سوريا وفي باكستان وأفغانستان وكل مكان، فتاوى وتوجيهات مماثلة ما عادت تحرك فينا شيئاً، بعد أن شُلت مشاعرنا، وصار اليوم الذي يمر دون تفجير وقتل، ودون «عمليات جهادية» ودون مشاهد الموت والدخان… يوماً غير محسوب من أعمارنا.

فإذا كان هذا حال المسلمين مع بلاء التشدد الديني والإرهاب في بعض الدول العربية والإسلامية، فكيف بالمسيحيين؟ العنف وصعود التيارات المتشددة، يقول عنوان تقرير صحفي في «الحياة» قبل شهر: «يهددان العراق بخسارة مسيحييه خلال عشر سنوات»، موجة القتل التي تسببت بمقتل نحو ألف مسيحي نهاية عام 2012، يقول التقرير: «كانت الأعنف منذ مجازر الآشوريين عام 1933، التي نفذتها قوات عراقية وقتل فيها نحو 600 مسيحي آشوري، بمعونة عشائر عربية وكردية سلبت قراهم في ما بعد، ومنذ مذبحة قرية «صوريا»، التي نفذتها قوات نظام «البعث» عام 1969، وراح ضحيتها أكثر من 90 كِلدانياً، عشرات منهم أُحرقوا أحياء في كهف لجأوا إليه هرباً من الإعدامات»، وقد رافقت هذه المذابح مع مرور الوقت أشكال من الهجرة شملت نحو 700 ألف مسيحي إلى خارج العراق من مجموع مليون و400 ألف، عددهم قبل عام 2003، حيث يقدر عدد المسيحيين في العراق اليوم بما لا يتجاوز الـ400 ألف مسيحي.

في نهاية عام 2012، عثر المسيحي العراقي «رافائيل ايشوع» على جثتي والديه ممزقتين، قبل هذا بأربعة أشهر فقط، كان رافائيل – 40 عاماً – قد عثر على جثة أخيه مُلقاة في إحدى مزابل «حي الدورة» جنوبي بغداد، ويتخوف رافائيل وسعد ومثلهما آلاف المسيحيين، من اتساع دائرة العنف في العراق إلى الحد الذي لا يستثني بقعة من أراضيه، خصوصاً بعد أن استعاد تنظيم «القاعدة»، سطوته على الأحداث وقتل أكثر من 2600 عراقي خلال الأشهر الثلاثة الماضية وجرح نحو ستة آلاف آخرين، معظمهم من الشباب الذين قتلوا في تفجيرات طالت ملاعب كرة قدم للهواة ومقاهي شبابية وأسواقاً شعبية في كل مدن العراق، كما تمكن تنظيم «القاعدة» في 21-7-2013 من إطلاق سراح أكثر من 600 من أشرس قياداته الميدانية ومقاتليه بعد تنفيذ عملية اقتحام سجني «التاجي» و«أبو غريب» باستخدام نحو مئة قذيفة هاون و12 انتحارياً وتسع سيارات مفخخة».

قامت «القاعدة» في يوليو 2013 باختطاف قس إيطالي في «الرقة» السورية التي يسيطر عليها مقاتلون من الإسلاميين المتشددين، وكانت السلطات السورية قد طردت القس من البلاد قبل عام، بعدما قدم مساعدات لضحايا حملة الأسد العسكرية. كان الاختطاف ذات يوم أهون من القتل في العالم العربي واليوم لا، صحيح أن المسيحي العراقي «سعد» الذي اختطفه كذلك تنظيم «القاعدة» ذات يوم في نقطة تفتيش وهمية شمالي بغداد، نجح بأعجوبة في أن يطلق سراحه باتفاق بين أخيه الكبير «أدور» وزعيم عشيرة نافذ. وخلال الأعوام 2003 – 2011، تعرض أكثر من 60 كنيسة وديراً مسيحياً في العراق للتفجير والاقتحام، وفي مطلع أغسطس 2004، تعرضت سبع كنائس في بغداد والموصل للتفجير، فيما عرف بالأحد الدامي، وفي بغداد العاصمة، بما لها من أمجاد تاريخية، ابتدع تنظيم «القاعدة» أسلوباً بشعاً جداً لإرغام المسيحيين على المغادرة، ففي خريف 2010 اقتحم انتحاريو «القاعدة» باحة كنيسة «سيدة النجاة» وسط المدينة، واحتجزوا أكثر من مئة مسيحي كانوا يؤدون قداس الأحد، مطالبين بإطلاق سراح ما قالوا إنهن «مسلمات مصريات اختُطفن وأُجبرن على دخول المسيحية من قبل الكنيسة القبطية في مصر»، وفجر المسلحون لاحقاً أحزمتهم الناسفة التي طوقوا بها أجسادهم وأجساد عدد من الرهائن، من ضمنهم أطفال، لتنتهي المجزرة بـ58 قتيلاً وعشرات الجرحى.

في كردستان، يقول الناشط المسيحي «مهند جرجس»: «بات من الصعب أن تتغافل عن صعوبة العيش في مجتمع يحاسبك على كل حركة، ويحُول حاجز اللغة دون اندماجك فيه، وتتصاعد فيه حدة الخطاب الديني الموجه ضدك، إلى حد اعتبار الاحتفال بأعياد الميلاد كفراً».

في مصر، وخلال عهد مرسي زادت بشدة وتيرة الطائفية والهجمات على المسيحيين والكنائس، وغادر كثير من الأقباط البلاد التي استقر فيها أجدادهم في السنوات الأولى للمسيحية قبل عدة قرون من دخول الإسلام لمصر، وقال رومان جودة الذي كان يزور مع صديق له أكبر كاتدرائية مصرية في حي العباسية بالقاهرة: «رحيل مرسي يشكّل تطوراً لكنني لا أشعر بالراحة تماماً»، ويضيف صديقه: «يساورني القلق لأن الإخوان يواصلون الاحتجاج»، وخلال رئاسة مرسي، قال: «البابا تواضروس»: «إنه شعر بتهميش وتجاهل وإهمال للمسيحيين من جانب السلطات التي يقودها الإخوان، وقال البابا إن الأقباط يهاجرون «لأنهم يخشون من النظام الجديد».

ويقول بعض الباحثين: ما يخشاه المسيحيون السوريون «ليس سقوط النظام ورحيل بشار، وإنما سقوط الدولة السورية التي شكّلت عبر تاريخها الطويل ملاذاً آمناً لهم، فثمة شعور مسيحي عام بأنهم الحلقة الأضعف في المجتمع السوري، وخلافاً لمعظم الأقليات السورية الأخرى، فالمسيحيون أقلية غير مسلحة، أي لا ميليشيات مسلحة لهم، لتقوم بدور الحماية الذاتية، إذا انفلت الوضع الأمني في البلاد». ويقول د. جيمس زغبي أحد الأساتذة العرب المسيحيين في الولايات المتحدة «إن أميركا لم تبد غالباً إلا اهتماماً ضئيلاً بالطوائف المسيحية المحلية في كل من فلسطين وسوريا والعراق ومصر».

المصدر: صحيفة الاتحاد