“امسكوا عنزكم.. ما يجيها تيسنا”!

آراء

بمناسبة نجاح الأجهزة الأمنية المعنية، في إلقاء القبض على الشباب المستهترين، الذين قاموا بالاعتداء الوقح على الشابات اللواتي كن خارجات بكل أمن وسلام، من أحد المجمعات التجارية، في المنطقة الشرقية؛ وقاموا بكل بجاحة وصفاقة واستهتار، بتصوير فعلتهم الشنيعة هذه وبثوها عبر قنوات التواصل الاجتماعي؛ غير مبالين بردة الفعل لا الرسمية ولا الشعبية، على جريمتهم النكراء هذه.. السؤال الذي يطرح نفسه علينا وبإلحاح وأمانة، هو: ما الذي دفع أبناءنا لفعل ذلك ببناتنا، وببرودة أعصاب، وكأنهم، ليسوا من بيوتنا هذه ومن بلدنا هذا، ولكن كأنهم ليسوا من كوكبنا هذا؟!

كل جريمة ترتكب، وخاصة تلك الجرائم التي تدخل ضمن “الجرائم ضد أمن وسلامة أحد مكونات المجتمع”، لا تحدث بدون أن يسبقها تمهيد ثقافي وبيئة اجتماعية حاضنة لها، تريح ضمير فاعلها، وتجعله لا يأبه بردة الفعل ضد جريمته، ولا يتوقع بأنه سيحاسب على فعلته، لكون أن هنالك من سيتطوع ويدافع عنه كضحية، ويرمي الجرم على الضحية نفسها، خاصة إذا كانت امرأة أو فتاة. كما يقال باللهجة الشعبية “امسكوا عنزكم، ما يجيها تيسنا”!! وهذا المنطق البهيمي، ليس جريمة بحق المرأة أو الفتاة؛ ولكنه جريمة أيضاً بحق المجتمع كافة، حيث تمت إحالته إلى مجتمع “بهائمي” مكون من قطعان من البهائم، رجاله قبل نسائه. إن بث ونشر مثل هذه الثقافة “البهيمية،” هو ما أعنيه بالحاضنة الثقافية والاجتماعية، للجرائم ضد أمن وسلام المجتمع.

هنالك فئة وللأسف بدأت تكثر بيننا، وتم غض الطرف عنها، لا تجد لنفسها دورا فاعلا وإيجابيا في المجتمع، ولا تحلم بأن يسلط عليها الضوء إلا من خلال “تبهيم” المجتمع، ليصبحوا هم بدورهم رعاة لقطعان البهائم، يسوقونها ذات الشمال وذات اليمين، لكونها لا تعي مصلحتها، حيث هي عبارة عن رعايا ذئاب من الرجال ورعايا شياه من النساء ورعايا تيوس من الأبناء، تعج وتموج بهم بيوتنا وشوارعنا وأسواقنا ومدارسنا ودوائرنا الرسمية وغير الرسمية. وليس بالمستغرب، ألا يسلم من تهم “التبهيم” هذه حتى أطفالنا، وهم من رفع الله سبحانه وتعالى، عنهم القلم، حيث أخذوا يشيعون عنهم تهم التحرش بالمعلمات، اللواتي يدرسنهم في الصفوف المتقدمة من المرحلة الابتدائية، وبأن هؤلاء الأطفال يصفون معلماتهم لآبائهم وصف تعرٍ، وهذا ما سينشر الفساد في المجتمع، إذا لم يمنع تعليم المعلمات للصفوف الابتدائية المبكرة!

كما أنهم اكتشفوا أن تعليم المعلمات للأولاد في الصفوف المتقدمة من المرحلة الابتدائية، سوف يتسبب في نشر الميوعة بين الأولاد الذكور، وقد يكثر منهم، لا سمح الله، ما يعرف بـ”الجنس الثالث”، وهذا على حسب اطلاعهم وتعمقهم ومتابعتهم للدراسات العلمية، أتى نتيجة دراسات محايدة أجريت في أوروبا وأميركا! وكأن جيوشنا عندما تقابل جيوش الغرب، تفر جيوش الغرب من أمامها كالدجاج المذعور، بسبب تعليمهم في جميع مراحل الدراسة لديهم، بواسطة النساء، وتعليمنا كذكور في جميع مراحلنا الدراسية بواسطة الرجال. وهذا سر كوننا أشداء أشاوس، يفرون من أمامنا في المعارك والحروب، كالأرانب الناعمة المذعورة!

إن هذا الشغف من أغبياء التزمت بالكذب حتى على الدراسات العلمية الغربية وتبجيلها؛ نتاج هوس بفحولتهم المريضة، والتي أصابتهم بمرض “الحريم فوبيا” المزمن، والذي أخذ يزداد ويشد عليهم ويؤلمهم أكثر وأكثر، ويخرجهم من نطاق تحكم عقولهم بهم، إلى نطاق تحكم غرائزهم “البهيمية” بهم.

وإذا تركوا على حالهم وتم الاستماع إليهم ومداراتهم؛ بدل علاجهم وتخليصهم من أزمتهم النفسية والغرائزية المستفحلة والمتمكنة منهم هذه، فسوف ينشرون وباءهم إلى معظم أفراد المجتمع، بشكل يؤدي إلى تفكك لحمته، وجعله مضحكة للعالمين أجمع، أولهم المجتمعات القريبة جداً منا، ناهيك عن البعيدة عنا. خاصة كونهم يسيطرون على منابر دينية ويغلفون بث سموم فحولتهم المريضة بالدين، والذي هو أغلى ما يتمسك به مجتمعنا. أليس من المستغرب أن يتصدى بعضهم لوضع قانون يحمي المرأة من التحرش، وذلك خوفاً من أن تشعر المرأة بالأمن وتندمج كعضوة فاعلة داخل المجتمع؟ بعضهم أنشأ مواقع على وسائل التواصل الاجتماعي، للتحريض ضد المرأة والمطالبة بإيذائها على العلن، وليس آخرهم من سمى نفسه بالقاضي، في حساب على تويتر، والذي نشر التالي: “بحكم عملي كقاض، سيحكم عليك بالسجن 3 أشهر مع وقف التنفيذ، إذا قمت بانحراف سيارتك ضد الفتاة ثم ماتت، نعم عليك فعل ذلك وهذا جهاد”..!!

السؤال الذي يطرح نفسه علينا الآن هو: هل مرض “الحريم فوبيا” العضال هذا والتلذذ بإيذاء النساء جسدياً ونفسياً ومادياً، جديد على مجتمعنا؟ أم هو قديم قدمه؟ جوابي، وبعد قراءة لتاريخنا القريب والمتوسط، وليس حسب دراسة غربية، بأن مرض “الحريم فوبيا” هو مرض جديد قد أصاب مجتمعنا عندما دخلته المدنية. كان غالبية مجتمعنا يتشكل من القبائل، التي تقطن وتجوب الصحاري. كانت المرأة في القبيلة مواطنة قبلية مثلها مثل الرجل، وكانت الفتاة، ذات الثلاثة عشر ربيعاً تبتعد بغنمها عن مضارب قبيلتها لمسافة نصف يوم ثم تعود، ولا يجرؤ كائن من كان ليس على التحرش بها؛ ولكن حتى على الحديث معها حديثا غير ذي جدوى. وفي حال تحرش رجل أو شاب بفتاة أو امرأة؛ فمن المؤكد أن القصاص سيحل به، وإلا فستقوم حرب ضروس بين قبيلة الفتاة وقبيلة الفتى، قد تؤدي لطرد قبيلة المتحرش خارج الجزيرة العربية. في بعض الحالات، يقوم أهل المعتدي على الفتاة؛ بقطع رأس ابنهم المعتدي وإرساله لأهل الفتاة المتحرش بها، تفادياً لحرب لا تبقي ولا تذر.

بعد فترة من تطبيق هذا القانون “العرف” القبلي الصارم، والذي لا يقبل التسامح أو التغاضي عنه؛ أصبح أوتوماتيكياً هذا العرف جزءا لا يتجزأ من أخلاق العرب، والذين أصبحوا يتفاخرون بالتمسك به. إذاً فالأخلاق لا تنبع من فراغ، بل هي نتاج قوانين صارمة دائمة، تتحول بعد فترة من تطبيقها لأخلاق. إذاً ماذا دهانا؟! ولماذا أصبح التحرش أو التعدي على بناتنا ونسائنا، يعاقبن هن عليه لا المعتدي أو المتحرش بهن؟!

أعتقد أن دخولنا عصر المدنية، بدون أن نهيئ مناخنا المدني بأنظمة وقوانين مدنية صارمة في كثير من الحالات، خاصة التحرش أو الاعتداء على النساء؛ نشر بيننا، ليس ثقافة عدم التحرش والاعتداء على النساء؛ بل ثقافة التحرش والاعتداء على النساء. نحن الآن بحاجة ماسة، لقانون صارم لا يمكن التهاون فيه، لردع ومعاقبة كل من يتحرش أو يعتدي على النساء كائنا من كان، ومكافحة ثقافة الحط من المرأة، حتى تعود ثقافة احترام المرأة وعدم التحرش بها إلينا ثانية، وتصبح جزءا لا يتجزأ من أخلاقنا، كما كانت. وما فعلته القبيلة بكل جدارة وصرامة، لن يكون عصياً على الدولة أن تفعله بقوة وجدارة مؤسساتها القضائية والتشريعية والتنفيذية. فنساؤنا يستحققن منا أكثر من ذلك، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خياركم خياركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”.

المصدر: الوطن أون لاين