علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

انتخبوني

آراء

مستمتع أنا بالدعايات الانتخابية التي أستمع إليها في قنواتنا الإذاعية والتلفزيونية، وأقرؤها في صحفنا المحلية، منذ أن بدأت الحملات الدعائية لمرشحي المجلس الوطني الاتحادي في دورته المقبلة، وبتلك التي يقوم المرشحون بنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويتم تداولها على نطاق واسع، رغم طرافة بعض هذه الدعايات التي عرّضت أصحابها للهجوم..

وجعلت البعض يطلب من اللجنة الوطنية للانتخابات التدخل، فهذه الحملات هي ملح أي عملية انتخابية، وهي التي تعطيها بعداً تنافسياً، والمبالغة فيها مشروعة، تحدث في كل الانتخابات التشريعية والرئاسية في أكثر دول العالم ديمقراطية وأعرقها ممارسة برلمانية، ونظرة سريعة إلى وعود الرؤساء خلال حملاتهم الانتخابية، تجعلنا نرى كيف يضعون الشمس في يد ناخبيهم..

والقمر في اليد الأخرى، ثم يخرجون بعد انتهاء فتراتهم الرئاسية دون أن يضعوا شمعة واحدة في يد من انتخبهم وأوصلهم إلى الكرسي، والأمثلة على ذلك كثيرة يضيق المجال عن حصرها.

دون الدخول في تفاصيل الدعايات الانتخابية، والجدل الذي يدور حولها، نعود إلى ضوابط الحملات الانتخابية التي وضعتها اللجنة الوطنية للانتخابات لنجدها ضوابط واضحة، تتيح للمرشح حق التعبير عن نفسه، والقيام بأي نشاط يستهدف إقناع الناخبين باختياره، والدعاية لبرنامجه الانتخابي بحرية تامة، شريطة الالتزام بقواعد منها المحافظة على قيم ومبادئ المجتمع، والتقيد بالنظم واللوائح، واحترام النظام العام..

وعدم تضمين الحملة الانتخابية أفكاراً تدعو إلى استغلال أو إثارة التعصب الديني أو الطائفي أو القبلي أو العرقي تجاه الغير، وعدم خداع الناخبين أو التدليس عليهم بأي وسيلة كانت، وعدم استخدام أسلوب التجريح أو التشهير أو التعدي باللفظ أو الإساءة إلى غيره من المرشحين بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وعدم تضمين حملته الانتخابية وعوداً أو برامج تخرج عن صلاحيات عضو المجلس.

هذه الضوابط والقواعد نصت عليها المادة ( 39 ) من الفصل السادس من قرار اللجنة الوطنية للانتخابات رقم ( 01/03/2015 ) بشأن التعليمات التنفيذية لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي، وهي ضوابط وقواعد تفسح المجال لمرشحي المجلس الوطني الاتحادي كي يضعوا برامجهم الانتخابية على النحو الذي يرون أنه سيوصلهم إلى عضوية المجلس التي هي تكليف قبل أن تكون تشريفاً…

وتضيّق في الوقت نفسه هامش الدخول في مزايدات ووعود وردية، يعرف المرشح نفسه قبل غيره أنها صعبة التحقق، خاصة في ظل الصلاحيات التي يتمتع بها عضو المجلس الوطني الاتحادي، وصلاحيات المجلس نفسه.

ثماني سنوات من تجربة انتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي أفرزت دون شك ثقافة برلمانية لدى المرشح والناخب، تجعل من عملية انتخابات هذه الدورة مختلفة من جهة قراري الترشح والانتخاب، فمن جهة قرار الترشح على المرشح أن يدرك أن الكرسي ليس للوجاهة، وإنما هو مهمة وطنية لها أبعادها ومسؤولياتها وتبعاتها..

فالذين دخلوا المجالس السابقة بالانتخاب أو التعيين لم يعودوا مجرد أرقام وأسماء مرت في تاريخ المجلس، وإنما هم محل تقييم من قبل المواطنين والحكومة معاً، يحصون ما قدموا خلال الفترات التي قضوها تحت قبة المجلس، ويعرفون جيداً إسهامات من شارك منهم في نقاشات المجلس، ومن صمت ولم ينبس ببنت شفة..

والذين شاركوا في انتخاب نصف أعضاء المجلس في دورتيه السابقتين أصبحوا أكثر وعياً وإدراكاً لقيمة أصواتهم، ولمن يجب أن يمنحوها هذه المرة، خاصة في ظل نظام الصوت الواحد الذي سيجعل الفوز أكثر صعوبة، ..

وسينهي حالة الترف التي كان الناخب يشعر بها وهو يمنح صوته لأكثر من مرشح، فلم يعد للمجاملات مكان، ولم يعد للقبلية والطائفية مجال في مجتمع الإمارات الذي أظهر تلاحماً وطنياً، أكد معه إلغاء مفهوم القبيلة والطائفة، وانصهر في وحدة وطنية لم تفرق بين أبناء القبائل والطوائف..

بعد أن أثبت شعب الإمارات خلال الأحداث الأخيرة أنه أسرة واحدة، تعتز بالشهداء الأبطال الذين بذلوا أرواحهم رخيصة من أجل هذا الوطن المعطاء، وتجدد العزم على المضي قدماً في الالتفاف حول قيادتها التي جابت أنحاء الوطن من أقصاه إلى أدناه، في ملحمة وطنية رائعة، قلّ أن تجد لها مثيلاً في تاريخ الشعوب والأمم..

لتبقى مثلاً ونبراساً للأجيال التي تتفتح عيونها اليوم على وطن يبذل قادته وشعبه الغالي والنفيس من أجل حمايته ودرء الأخطار عنه، حتى لو بدت هذه الأخطار بعيدة، لا يراها ذوو النظرة القصيرة ولا يدركون حجمها، الأمر الذي يجب أن ينعكس إيجاباً على الانتخابات المقبلة.

«انتخبوني» ليست مجرد كلمة تخرج من فم مرشح يقدم لنا اليوم نفسه، وتطالعنا صوره في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وعلى مفترقات الطرق وفي شوارع مدننا التي تنتشر فيها اللافتات الدعائية انتظاراً للعرس الانتخابي المرتقب، وإنما هي التزام يجب أن يدرك عظم مسؤوليته كل من يتطلع إلى الجلوس تحت قبة المجلس الوطني الاتحادي في دورته المقبلة.

هذا ما نتمنى أن يدركه كل المترشحين الذين يستعرضون برامجهم الانتخابية بكرم باذخ، وكل الناخبين الذين سيتوجهون بعد أيام قليلة إلى صناديق الاقتراع ويدلون بأصواتهم كي يختاروا ممثليهم، لبدء دورة جديدة نأمل أن تكون نقطة تحول في مسيرة تمكين المجلس التي دعا إليها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، في خطابه التاريخي عام 2005 في الذكرى 34 لقيام الدولة، وهو خطاب يحتاج إلى التوقف عنده، لأنه كان خارطة طريق لخطط التنمية المستدامة للدولة، وسيبقى كذلك.

المصدر: صحيفة البيان