علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

عائد من «كيرالا»

آراء

لم يفاجئني جواب المرشد السياحي، في أول يوم من زيارتنا لولاية «كيرالا» الهندية، عندما سأله أحد زملاء الرحلة عن عدد اللغات في الهند فأجاب: إنها كثيرة، حتى يُقال إنك كلما قطعت 50 كيلو متراً في الهند قابلتك لغة جديدة.

ربما تكون هذه مبالغة، المقصود منها أن يناسب عدد اللغات في الهند عدد السكان، الذي بلغ مع بداية عام 2024 ملياراً و435 مليون نسمة، حسب الإحصاءات، وبما يعادل 17.76% من إجمالي عدد سكان العالم، لتنافس الهند الصين على مرتبة أكثر الدول اكتظاظاً بالسكان على مستوى العالم. يؤيد تعددَاللغات هذا أن الصحف في «كيرالا» تنشر بتسع لغات، وإن كانت اللغة الماليالامية تشكل نسبة 97% تقريباً من اللغات المستخدمة في الولاية، بينما تشكل اللغة التاميلية 1.49% منها، وتشكل اللغات الأخرى النسبة المتبقية.

يُرجِع البعض أصل اسم ولاية كيرالا إلى كلمة «خير الله» لكثرة الخيرات المتوفرة فيها، ومن تسمياتها بلد الله، وحديقة التوابل، وأرض جوز الهند، وأرض الأشجار، وجوهرة جنوب الهند، وهي أسماء يصح إطلاقها كلها على «كيرالا» لأن حجم اللون الأخضر، الذي يمكن أن تشاهده فيها كبير جداً، إلى درجة أنه لا تكسر هذا اللون إلا الوديان ومجاري الأنهار والمناطق السكنية، التي تمر بها من شمال الولاية إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها.

ما لفت نظرنا في ولاية «كيرالا» أن بعض المحلات التجارية في مدنها تحمل أسماء بعض إماراتنا، وعلى وجه الخصوص إمارة دبي، الأمر الذي يشير إلى أن الكثيرين من أبناء الولاية قد عملوا في دولة الإمارات، وعادوا إلى بلدهم ليطلقوا أسماء الإمارات، التي عملوا فيها على المحلات التجارية والمشاريع، التي أسسوها بعد عودتهم من باب الحنين إلى الأماكن التي عملوا فيها، حيث تكونت لديهم ذاكرة جميلة عنها.

ما يلفت النظر أيضاً في مدن ولاية «كيرالا» كثرة المساجد المقامة فيها، إلى جانب المعابد الهندوسية والكنائس، حتى إننا رأينا في أحد الأماكن مسجداً ومعبداً وكنيسة، مقامة بشكل متجاور، ذكّرنا بمجمع الأديان، أو بيت العائلة الإبراهيمية، المقام في منطقة السعديات بإمارة أبوظبي، الأمر الذي يؤشر إلى التعايش والتسامح الديني بين المنتمين إلى مختلف الديانات في هذه الولاية، وهو ما أشار إليه الرحالة العربي ابن بطوطة، عند زيارته للمنطقة في القرن الرابع عشر الميلادي، وشرحه لعادات أهلها في ذلك الزمن.

ما لفت نظرنا أيضاً أن السياحة الخليجية، والعربية بشكل عام، قليلة جداً في هذه الأماكن، حيث لم نر خلال الأيام العشرة، التي قضيناها فيها سوى عائلة خليجية واحدة، في حين رأينا سياحاً غربيين في أكثر من مكان منها، خاصة في المناطق الساحلية، وهذه ملاحظة جديرة بالذكر، حيث إن قرب «كيرالا» من منطقة الخليج العربي يؤهلها كي تكون مقصداً سياحياً لأهل المنطقة، غير أن الشيء الوحيد الذي ربما لا يشجع كثيراً السياحة الخليجية هو الطقس الحار، حيث يقول أهل «كيرالا» إن طقس منطقتهم ينقسم على مدار العام إلى نوعين؛ حار، وحار جداً! وقد صادفت زيارتنا الطقس الحار، حيث كانت الحرارة تصل في النهار إلى 34 درجة مئوية، تصاحبها نسبة عالية من الرطوبة تفوق الخمسين في المئة، مع استثناء المناطق الجبلية المرتفعة، التي تتمتع بطقس معتدل إلى حد ما، بينما يمتد الطقس الحار جداً من شهر مايو إلى شهر سبتمبر.

في مدينة «كاليكوت» زرنا مصنعاً للسفن الخشبية التقليدية القديمة، التي كان يتم استخدامها في القرن الماضي للغوص والرحلات التجارية في منطقة الخليج. كان العمل يجري أثناء زيارتنا في بناء إحدى هذه السفن، لكن صاحب المصنع الوحيد المتبقي حتى الآن يقول إنها ربما تكون السفينة الأخيرة، التي يتم صناعتها هنا بعد انحسار الطلب على هذا النوع في السفن.

عشرة أيام في بلاد تركب الأفيال، حيث يعتبر الفيل شعاراً لولاية كيرالا، ليست كافية للحديث عن كل شيء فيها، تماماً كما أن مقالاً واحداً غير كافٍ للكتابة عنها، لكنها على أي حال بلاد «خير الله» مثلما سمّاها أهلها.

المصدر: البيان