ببساطة

آراء

فيما ينشغل العالم بالحروب والأزمات المناخية والاقتصادية، مبتعداً عن تسليط الضوء على الحركات “الإسلامية” والتخويف منها، يطل علينا شاب صغير ولد بعد صدور “آيات شيطانية” والفتوى الخاصة بكاتبه، ليعيد تذكير من نسي أن هناك فزاعة قائمة باستمرار، مسلطة باسم الإسلام في وجه أي كان.

ووفق ما نشرت الصحف، حقق الكتاب موضوع الجدل، في الأسبوع الماضي رقماَ قياسياً في مبيعاته عبر المواقع المختصة، حتى أن الموظفين الشباب الذين لم يسبق أن سمعوا عن سلمان رشدي وجدوا أن الموضوع مثير للتساؤلات وجدير بالاهتمام، أما الشاب فرغم أنه لم يحقق مبتغاه، لكنه غالباً سيلقى جزاءه سنين طويلة من السجن.

ورغم أن القانون لا يحمي المغفلين، والجريمة تبقى جريمة طالما أن مرتكبها بالغ راشد بكامل قواه العقلية، لكنه لم يفعل سوى أن نفذ فتوى موجودة، وللأسف يمكن للمهتم أن يراجع كل ما ارتكب من جرائم باسم الإسلام في العقود الماضية ليجد أنها كلها استندت إلى فتاوى، بعضها وظف خدمة لمآرب سياسية، وبعضها الآخر نفذه أفراد اعتقدوا أنهم يجاهدون “في سبيل الله”، فألقوا بأنفسهم وبغيرهم إلى التهلكة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

فإذا افترضنا أن أحداً أراد اليوم الاطلاع على حيثيات الموضوع، سيجد أن كتاباً ألفه أحدهم لم يرق لجموع المسلمين، سمعوا أن فيه إساءة لدينهم ولرسولهم، ولم يتكلفوا عناء قراءته، بغض النظر عن صحة ما سمعوه من عدمها، فأصدروا فتوى بهدر دم الكاتب، واغتالوا وحاولوا اغتيال معظم من ساهم في ترجمته أو نشره، فلا شك أن هذا المهتم سيشكل انطباعاً سلبياً عن هذا الدين الذي يدعو لقتل من يمسه بأذى، وسيتأكد مما يشاع عن كون المسلم “إرهابي”، سيما وأن المنفذ ليس “معتوهاً” وحسب، بل هناك فتوى في هذا الشأن وكل ما يشبهه، وسيصبح من الصعوبة بمكان إقناعه أن الإسلام بريء من ذلك، وبالتالي فإن أي مسلم هو موضع اتهام، وأي بلد إسلامي يمكن أن يكون هدفاً مشروعاً لحرب قادمة. ويمكن لهذا الأحد أن يكون من بيننا، يقرأ ويسمع تعليقات معظم “المسلمين” التي تشيد بالنصر المؤزر الذي تحقق للإسلام بمحاولة الاغتيال تلك.

تكمن المفارقة أن كتاب الله بين أيدينا، فيه من آيات الرحمة ما يطمئن البال، ولا يكاد يخلو بيت من عدة نسخ منه، لكن قلة قليلة تتمعن في آياته، لتقرأ وتعلم وتتعلم أن {من شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُر} و {مَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، والله ليس بحاجة من يدافع عنه.

والحرام بيّن والحلال بيّن، والتحريم بيد الله وحده، لا أحد غيره، وأن قتل النفس حرام، وأن {من قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}، والله تعالى قدم لنا مثلاً عمن سوّلت له نفسه قتل أخيه فوجد رد فعله: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}.

رب قائل: لكن رشدي سخر من ديننا وعقيدتنا

نعم، سيأتيك الجواب من كتاب الله بحل أبسط مما يخطر على بال أحد {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} حل يليق بتوجيهات من خالق عظيم يريد من الإنسان المؤمن أن يتحلى بأخلاق عالية قوامها التسامح، فإذا كان محظوراً علينا سب من يخالفوننا المعتقد {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فما بالنا بقتلهم؟

حري بنا كمسلمين مؤمنين بكتاب الله الذي جاء مع رسولنا محمد (ص) أن نترفع عن الإساءة ولا نلقي لها بالاً، بل نتركها مهملة لا تلفت نظر أحد، فرفوف المكتبات مليئة بالغث والسمين، ولا يختلف إثنان عن أن أمهات كتبنا فيها ما يشوه ديننا وصورة رسولنا بدرجة كبيرة تكاد تفوق غيرها بمئات المرات.

لم أقرأ “آيات شيطانية”، ووقعت كغيري في مطب اعتباره مسيئاً دون قراءته، رغم أن المفروض احترام آراء الآخرين وحريتهم في إبدائها مهما كانت، وليس عليهم مسايرتنا اتقاءً لشرنا، فما أعرفه أن ديناً كالإسلام هو أعظم من أن يساء له بكتاب هنا ورسم هناك.