د . حسن مدن
د . حسن مدن
كاتب بحريني

بلغة غير العربية

آراء

يرى الروائي المغربي الطاهر بن جلون أنه بكتابته بالفرنسية قادر على حيازة حريات حيال موضوعات معينة لا تسمح له اللغة العربية بتناولها، بل إن هذه الأخيرة تهول عليه ذلك التناول، فمن جهة ثمة تابوهات وتحريمات، ومن جهة أخرى هناك فهم خاص للياقة والاحتشام، أو بتعبيره: «من الصعب علينا التعامل بقسوة مع اللغة العربية».

هذا الموضوع إشكالي، ليس لأننا لا نرى أن للكتاب العرب حقاً في أن يكتبوا بلغات أخرى، خاصة إذا ما وجدوا أنفسهم ضمن سياقات ثقافية ولغوية وحياتية تفرض عليهم هذا الاختيار، بل إن بعض ما كتب من أدب «عربي» باللغات الأجنبية على مقدار كبير من الأهمية من وجهة النظر النقدية، كما هي الحال مع الكثير من روايات أمين معلوف، وبعض روايات ابن جلون نفسه، لكن للأمر محاذير أخرى جدية.

يأتي ذلك من حقيقة أن سبب بعض ما تناله أعمال هؤلاء الكتاب العرب بغير لغتهم الأم، سواء من قبل النقاد أو من الناشرين، لا يعني، بالضرورة، أن العمل الأدبي «العربي» المكتوب للأجانب بلغتهم هو أهم من الأعمال الأدبية النظيرة المكتوبة بالعربية، ولكن لأنها كتبت لجمهور عربي غير قارئ بصورة جيدة. وفي سوق متعثرة للنشر، وغياب الناشرين القادرين على التسويق للقيمة الإبداعية للأعمال المهمة، فإن هذه الأعمال لا تنال الاهتمام الكافي لا لدى القارئ ولا الناشر ولا حتى الناقد.

واللافت أن الأعمال الأدبية التي كتبها عرب بلغات أجنبية تحظى بعد ترجمتها إلى العربية بتسويق أوسع بما لا يقاس تحت تأثير الإيحاء النفسي بأنها تنطوي على جودة أكبر لكونها، فقط، كتبت بلغة أجنبية، أو لأنها حققت مبيعات عالية في العواصم الغربية.

ولكن لو قرأنا هاته الأعمال بعين فاحصة وقارناها بنظيرها لكتاب يكتبون بالعربية لوجدنا أن الكثير منها أقل أهمية، وكل ما في الأمر أن الأجواء «الغرائبية» عن عوالم الشرق أو إفريقيا الساحرة، الغامضة كعالمي الصحراء أو القرية، أو معيش المرأة في مجتمع تقليدي، أو بعض العادات والتقاليد تسلب لب القارئ الأجنبي بوصفها فلكلوراً مسلياً يقرأه وهو يستجم على شاطئ البحر أو يستلقي على أريكة في منزله. ويضاف إلى ذلك، بالطبع، مهارات الناشرين الغربيين في الترويج لتلك الأعمال، لتحقق مبيعات مرتفعة قبل أن يعاد تصديرها إلينا مترجمة تحت إيحاء ذلك التسويق.

قد تكون الكتابة باللغة الأجنبية منفى كما قال الجزائري كاتب ياسين، وقد تكون ملاذاً من محظورات المجتمع العربي، لكن يمكن لها أن تكون وسيلة لترويج ما هو ناقص في شروطه الإبداعية، وما هو فاقد للإثارة والعمق. 

المصدر: الخليج