د . حسن مدن
د . حسن مدن
كاتب بحريني

رسائل كافكا لمن يُحب

آراء

الكثيرون منا يعلمون بأمر الرسالتين اللتين وجدهما “برود” الصديق المقرب للكاتب الشهير كافكا بين أوراقه بعد موته، والتي طلب منه فيهما أن يحرق كل كتبه، ما جعل كُتَّاب سيرة الكاتب يطلقون على الرسالتين: “وصية كافكا” .

أعطت هاتان الرسالتان شعوراً بأن كافكا لم يكن يأتمن على أسراره، سوى هذا الصديق، لذا بدا مفاجئاً حين تجرأت امرأة، وبعد مرور أربعة وثلاثين عاماً على وفاة كافكا، ببيع رسائله إليها، ما كان موضع دهشة القراء والمهتمين الذين كانت في أذهانهم صورة الرجل الميال للعزلة، والعازف بطبعه عن فكرة الزواج أو حتى الارتباط بامرأة .

من سياق الرسائل يفهم أن المرأة التي أرسل إليها رسائله كانت سيدة أعمال، وقد توفيت عام ،1960 وقبل وفاتها بخمس سنوات باعت هذه الرسائل لناشر أعمال كافكا، ربما لأنها قدرت أهمية هذه الرسائل في تسليط الضوء على جوانب غامضة في حياة “حبيبها” المحيرة .

سنفهم أن الصديق برود هو، بالذات، من كان جسر التعارف بين كافكا وفيلس بوير، وهذا هو اسمها، حيث التقاها ذات أمسية من أمسيات أغسطس/ آب 1912 في بيت برود . كان كافكا قد أحضر مسودة كتابه الأول: “تأملات” لمراجعتها مع صديقه، حيث صادف وجود المرأة التي لفتت انتباهه .

أثناء الجلسة تجاذب معها أطراف الحديث، وعرف عن مشروعها لزيارة فلسطين خلال الشهور القادمة، وراقت له الفكرة، حيث مدّ يده إليها طالباً منها أن تصحبه معها في هذه الرحلة التي بدت له مثيرة للفضول . بعد ذلك بأسابيع قليلة كتب لها رسالته الأولى مذكراً إياها باتفاقه معها على الزيارة .

من السياق الذي عرضه مؤلف “محاكمة كافكا الأخرى”، إلياس كانيتي، نفهم أن فيلس كانت امرأة بسيطة، كما تكشف ذلك ملاحظاتها التي يقتبسها كافكا في رسائله، ويبدو أن كافكا، من خلالها، كان يحاور نفسه، وهو حوار كان يمكن أن يمتد طويلاً لولا الحيرة التي انتابته من شغفها بقراءة مؤلفات كتّاب آخرين سواه تذكرهم في رسائلها إليه، فيما كان يفضل أن تقرأ له هو وحده .

سيظهر شغف كافكا بفيلس من خلال حرصه على معرفة كل تفاصيل حياتها، لذا فإنه، في رسائله إليها، يوجه أسئلة دقيقة من نوع: متى تصل مكتبها؟ ماذا تناولت من إفطار؟ أي المناظر خارج نافذة مكتبها؟ ما أسماء أصدقائها من الرجال والنساء؟

المصدر: الخليج

http://www.alkhaleej.ae