عبد الله ثابت
عبد الله ثابت
كاتب و روائي سعودي

بين الهراء والدم

آراء

بين هذا الدم العارم الذي تطفح به بلدان العرب، تفتش عن نبأ جميل، عن شيء يسحبك ولو قليلاً من هذه الدوامة الخانقة من الهراء القاتل، الذي يجلّلون عوراته بمئزر الدين. لا الأغاني والليل والعزلة، ولا الأمل والروايات تُسعفك أمام هذا القبح المستشري. تهرب إلى خيالٍ ما.. وسرعان ما تُشوّش الصورة تحت عينيك المغمضتين، وهما تلمحان في العتمة ظُلماً يلاحق حتى الخيالات.. ويُخمدها! من ورّطنا في كل هذا القلق.. من!.

شمّ يديك! تمسّك بخلوّهما من مصائر الآخرين، هذه هي رائحة الإنسان الأولى والوحيدة. فيما لو شممت فيهما دماً أو قهراً ألحقته بالناس، فأي بحار – بالله عليك – يمكنها أن تعقّم قلبك!. تفكر.. فترى الواقع، بمن وما فيه، يضطر من يتشبّثون بتفادي الوحل اضطراراً للخروج منه. يتحوّلون إلى كائنات صامتة ومتأوهة ومنتظرة. واقعٌ يرغمك على أن تكون طرفاً في دم وخصام، أو ابق هناك. صه!.

الأيام الندية بانتظارنا، لنا بلاد، ونريد أن نعمرها بأقل ما يمكن من النزاع والفرقة، تعبنا كثيراً. هكذا تقول في نفسك، فتسمع أحداً هنا وهناك يرفع صوته حتى أعلاه بالخراب، ويكاد الفرح يتقادح من عينيه وهو يمجّد “الدواعش”، ويستلهم بحماسة مقولات حزّ الرؤوس والطائفيين، وخطب المطرودين أو الممنوعين من الدخول إلى بلاد القانون، بينما هم يصولون ويجولون على أرضنا، ويمشون سراً وعلانية بالنفير والقتال. هذا النفير الذي – وعساه يومٌ لا يأتي – يتمنون في دخيلاتهم لو أعلنوه علينا!.

يرنّ هاتفك برسائل عن اتخاذ كافة الإجراءات لحماية الوطن. لا تدري بم تعلّق وأنت تعرف تماماً أن كثيرين ممّن نحرس حدودنا اليوم منهم، هم من أبنائنا، أولادنا الذين خرجوا من بيوتنا ومدارسنا ومساجدنا وحاراتنا، وتعرف أيضاً أن كثيرين يشبهونهم بالداخل، وتعرف أنهم على الفكرة نفسها، تلك الفكرة التي رعيناها وربيناها نحن عقوداً، في أروقة المدارس والجامعات، وعلى ضغائن المنابر والفتاوى. ترى ما المسافة الفاصلة بين اثنين، أحدهما في العراق أو سورية أو غيرها، وأحدهما بيننا، وهما يحملان التأسيس نفسه، والرؤية ذاتها حيال العالم والدين والبلاد والبشر! خذ للتطبيق ذلك الهياج الذي يُثار على برنامج الابتعاث، على المرأة وحقوقها، على إخوتنا وشركائنا في الوطن من الشيعة، على منع الناس حتى من متابعة مباريات كرة قدم في حديقة، على من يقول بأن “امتهان الدعارة أفضل من العمل في الإم بي سي”، على من يشتم شعباً بأكمله في أخلاقه بدعاوى الفضيلة… الخ! هل سقط كل هذا من كوكب آخر! أم أننا نحن فعلاً من ربينا هذا الدم والهراء وأطلقناه على العالم.. وعلينا!.

المصدر: الوطن أون لاين