عبد الله ثابت
عبد الله ثابت
كاتب و روائي سعودي

علامة ما يحدث قبل

آراء

للأشياء، للأجساد، والبلاد علامات وحدود. الحدود نفسها علامات بدءٍ وانسجام وثقة، وهي أيضاً علامات اشتباك وخصام، وأخيرا علامات النهاية والقطيعة. من يلمس حدودك – أياً كان – فإنه يكون قد دنا منك حتى المكان الذي لا عودة منه. وهكذا تبدأ القصص كلها وهكذا قد يضربها الغبن فتنتهي. وفي هذه المساحة التي لا يرجع منها أحد.. تتساوى الحكايات، لا يهم كم تطول أو تقصر، كم تحلو أو تختنق بالمرارة! إنها أخيرا تنقطع، ويتحلل الانسجام والثقة شيئا فشيئا حتى يذهبان إلى العدم. ما من شيء ينمو وليس له وسم وسمات تسبق شكله النهائي. خذ مثلاً.. السلامات الباهتة، البشاشات التي لا تعني غير الارتياب والحنق، وخذ في اعتبارك المسافة في اختيار التواريخ والطاولات. هل رأيت يوما تحصينات الحواجز وانتشار الجند؟ هل حدث ولاحظت قلة المشي والكلام بين اثنين أو بيتين أو بلدين؟ أليس هذا شيء تكبر فيه الوحشة!.

قبل أن تطيح السفوح الممتدة في الاصفرار والكآبة لا بد أن شيئا ما لم يعد كفاية. قبل أن يوصد باب، فإن كابوسا قد تراءى وراءه، لكن أحدا لم يطرده. قبل أن يتشتت الصوت والنشيد الوطني، كانت السواعد قد فقدت حيْلها، وقبل أن تتداعى أرض وبلاد بأكملها، لا بدّ أن قويا ومتنفذا فيها لم يأبه خرابها، ذاك الواحد الفاسد، ذلك الذي تمكّن من مصير الناس، لكنه لم يعتبر غير نفسه، لم يهتم إلا بما يحصّنه هو، تغافل عن الحقوق، رأى الفقر والمظالم ولحى الضغينة وشواربها تضرب هنا وهناك، لم يحفل لا بالبلاد ولا بالناس. لم يكن ما حدث ويحدث في العراق وسورية، اليمن وليبيا، ومصر وتونس شيئاً انفلت هكذا بالصدفة. لقد كان الأقوياء المتنفذون فيها ولزمن طويل من قبل، يُربّون وحش الخراب، يُهيئون له الطريق، ويفسحون له المكان.. وفاجأهم أن الوحش تداعى عليهم من كل مكان، لم يتأخر، كان سيأتي إن عاجلاً أو آجلاً. لم ينتبهوا أن لكل شيء علامة، لم يصدقوا، أو لم يريدوا أن يصدقوا أن الزوال والخراب.. علاماته الطغيان والفساد.

مئآت الآلاف من القتلى، أطنان دماء، مع ملايين من النازحين والمهجرين، ركّب عليها تهديم الآثار ونسف التاريخ، وانظر مثلاً لهذا القاتل الهمجي، وهو يجرف مدينةً بأكملها، ترجع في الزمن إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وانظر للعلامات التي سبقته، وهي تملأ كتباً وحصصاً وأنشطةً مدرسيةً ومنابر ومرويّات، وواقعاً فجّاً من الاستبداد.. كلها كانت قد ركّبت هذا الوحش قطعةً قطعة، فليس غريباً أنه حين وجد فرصته.. استبدّ وقتل وسبى وهدّم، وأقام عالماً من الخراب، سماه دولة الإسلام والخلافة، فلكل شيءٍ علامةٌ سبقته.

المصدر: الوطن أون لاين
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=25411