أثار التحذير الذي وجهه مجلس الأمن الدولي لأي جهة يجري ضبطها تتعامل في نفط من الجماعات الإرهابية، بعد تقارير سيطرتها على حقول نفط بالعراق وسوريا، تساؤلات حول الجهات التي تشتري هذا النفط. وكان المجلس قال في بيان، إن أي تجارة في النفط مع «الدولة الإسلامية» أو «جبهة النصرة» المرتبطة بـ«القاعدة» تمثل انتهاكا لعقوبات الأمم المتحدة، لأنه جرى إدراج الجماعتين على القائمة السوداء.
ونبه المجلس على كل الدول بضرورة التأكد من أن مواطنيها أو رعاياها داخل الأراضي لا يتعاملون في النفط مع «الدولة الإسلامية» أو «جبهة النصرة».
وبينما أشارت تقارير كثيرة إلى أن جزءا من هذا النفط المهرب يجري عبر تجار في كردستان، قال مصدر أمني في قضاء طوزخورماتو التابع لمحافظة صلاح الدين، إن نسبة تصدير تنظيم «داعش»، الذي بسط سيطرته على حقول نفطية عراقية وسورية للنفط، انخفضت خلال الأسابيع القليلة الماضية بسبب الإجراءات المشددة التي فرضت من قبل القوات الأمنية للقضاء على تهريب النفط، لكن أحد المهربين الأكراد أكد أنهم يهربون النفط الخام الذي يشترونه من «داعش» ليلا في طرق غير معروفة للحكومة بكركوك.
وقال الرائد فاروق أحمد، مسؤول قوات الأسايش في قضاء طوزخورماتو، لـ«الشرق الأوسط»: «استطعنا خلال الأسابيع الماضية أن نفرض السيطرة التامة على الطرق كافة التي تمر بحدود قضاء طوزخورماتو وتستخدم من قبل عدد من التجار الكرد في نقل النفط الخام المهرب من مناطق العظيم وحمرين إلى الإقليم»، مشيرا إلى أن هناك الكثير من نقاط التفتيش والدوريات التي تراقب الطرق كافة من أجل الحيلولة دون نقل أي صهاريج من النفط. وقال: «المعلومات التي بين أيدينا تؤكد استمرار (داعش) في استخراج النفط من المناطق الواقعة بين بيجي وسلسلة جبال حمرين، بعد أن كسرت أنابيب النفط هناك، حيث تقوم يوميا بتعبئة العشرات من الصهاريج، نحن سيطرنا على الطرق الرئيسة كافة لنقلها، ولا يتمكن المهربون الآن من نقلها عبر قضاء طوزخورماتو، لكن وبحسب معلوماتنا فإن المهربين يتخذون طرقا أخرى لتهريب عدد من هذه الصهاريج التي يشترونها من (داعش)، حيث ينقلوها ليلا في طرق أخرى»، مشيرا إلى أن هذا أثر تماما على عدد الصهاريج المهربة، وأضاف: «الآن، العدد انخفض من 60 صهريجا إلى نحو عشرة صهاريج في اليوم». وذكرت مصادر مطلعة من قضاء طوزخورماتو لـ«الشرق الأوسط» أن تجارا أكرادا وعربا ينفذون يوميا العشرات من صفقات شراء النفط مع مسلحي «داعش» في المنطقة، ومن ثم يهرب النفط إلى مناطق أخرى لم يشيروا لها.
ويروي أحد تجار النفط الأكراد الذي يشتري النفط من مسلحي «داعش»، في حديث لـ«الشرق الأوسط» دون أن يكشف عن اسمه، أنه منذ سيطرة «داعش» على أنابيب النفط قرب بيجي وجبال حمرين، «وأنا أقوم بشراء النفط الخام منهم لأنقله فيما بعد إلى إقليم كردستان».
وتابع: «في البداية، كنا نشتري هذا النفط علنا وننقله عبر طريق قادر كرم إلى السليمانية، وبعض المرات إلى أربيل، وكان العمل ممتازا حينها، حيث كنت أشتري أنا وحدي يوميا نحو عشرة صهاريج بمبلغ عشرة ملايين دينار وفي بعض الأحيان 12 مليون دينار، من (داعش)، لنبيع فيما بعد لتجار آخرين في المناطق التي ننقله إليهت، لكن منذ مدة ليست ببعيدة اعتقلنا من قبل القوات الأمنية وأخلي سبيلنا بتعهد ألا نقوم بشراء النفط من (داعش) وتهريبه، لكن ليس هناك عمل آخر نزاوله ،لذا عدت إليه ولكن هذه المرة سرا»، مشيرا إلى أن «سعر شراء الصهاريج من (داعش) كما هي ولم تتغير، لكن وبسبب القيود التي فرضتها القوات الأمنية اضطررنا إلى تقليل كمية الصهاريج المهربة إلى نحو 12 صهريج يوميا».
يذكر أنه منذ سيطرة «داعش» مطلع الشهر الماضي على أجزاء واسعة من شمال العراق وغربه، تضم أربعة حقول نفطية على الأقل، بات مقاتلو هذا التنظيم يتحكمون في جزء كبير من النفط السوري بعد سيطرتهم على حقول محافظة دير الزور النفطية كافة وعلى حقول في الرقة، معقلهم الأساسي في شمال سوريا، في وقت يخوضون مواجهات عسكرية في مسعى للتقدم إلى حقول الرميلان الاستراتيجية الخاضعة لسيطرة قوات «حماية الشعب الكردي» في محافظة الحسكة، علما بأنها تغذي وحدها مصافي النفط في حمص وبانياس، في وسط سوريا وساحلها.
ويقول خبراء وناشطون معارضون، إن التنظيمات المتشددة تستفيد من عائدات تجارة النفط في تمويل هجماتها العسكرية ضد النظامين السوري والعراقي وضد كتائب المعارضة السورية.
وفي حين أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، الأسبوع الماضي، إلى أن مقاتلي هذا التنظيم «يبيعون النفط والغاز لرجال أعمال عراقيين»، قال مديره رامي عبد الرحمن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «النفط السوري يهرب إلى كل من تركيا والعراق»، مؤكدا أن «عمليات البيع، قبل سيطرة (داعش) على آبار النفط وبعدها، مستمرة عبر وسطاء وتجار نفط وسماسرة وليست عمليات بيع رسمية».
وأوضح عبد الرحمن أن «نقل النفط إلى العراق بات سهلا لوجود مقاتلي (الدولة) على جانبي الحدود، في حين أنه ينقل عبر مهربين وتجار في السوق المحلية أو خارج الحدود إلى تركيا»، مستبعدا حصول ذلك «من دون علم مسبق من السلطات التركية، أو بمعنى آخر تجري بتسهيل من السلطات التركية المحلية».
وفي الداخل، يؤكد خبراء اقتصاديون سوريون وجود «اتفاقات ضمنية» بين النظام السوري وتنظيم «داعش». ويشير رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا د. أسامة قاضي لـ«الشرق الأوسط» إلى «وجود علاقة مباشرة بين النظام و(داعش) واتفاقيات ثنائية بين الطرفين فيما يتعلق بالنفط، انطلاقا من مصلحة النظام في تأمين موارد نفطية ليبقي على ما تبقى من حاضنة اجتماعية له». ويوضح أن هذه الاتفاقيات تعقد بعد «تفاوض بين مقاتلي (داعش) ومجموعات أمنية تابعة للنظام».
ويتوقع قاضي أن تطيل العقود المبرمة بين النظام و(داعش) من عمر الطرفين معا وتساهم في تكريس وجودهما وتمويل عملياتهما العسكرية، لافتا إلى أن «سيطرة القوى المتطرفة على الثروات النفطية ينذر بإطالة عمر الأزمة وتمكنها من الاستمرار في معاركها ضد القوى المعتدلة». ويشدد على أن «تداعيات هذه السيطرة لا تتعلق فقط بالمخاطر المترتبة على الإنتاج غير الاحترافي من هدر وأمراض مسرطنة واستنزاف الموارد فحسب، بل تمتد إلى إنهاء فكرة الدولة كمؤسسة وطنية، فضلا عما تشكله من خسارة كبيرة للحكومة المؤقتة التي ستخلف حكومة أحمد طعمة وتفقدها أي آمال بمصادر تمويل ذاتية».
ولا يستخدم تنظيم «داعش» في عمليات نقل النفط وبيعه انطلاقا من شمال سوريا أيا من أنابيب النفط الموجودة قبل اندلاع الأزمة، إذ تجري عمليات النقل من الآبار إلى السوق المحلية والخارجية عبر صهاريج متفاوتة الأحجام ومن خلال سماسرة وتجار نفط، يوجد بعضهم داخل سوريا وبعضهم الآخر في دول الجوار، إضافة إلى أن عملية الدفع غالبا ما تحصل نقدا عند التسليم.
المصدر: أربيل: دلشاد عبد الله – بيروت: ليال أبو رحال – الشرق الأوسط