علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

تونس تصحّح الصورة

آراء

مثلما انطلقت الشرارة الأولى من تونس في شهر ديسمبر 2010 عندما أحرق محمد البوعزيزي نفسه في الحادثة الشهيرة التي أطلقت عاصفة النيران التي أشعلت المنطقة العربية، تعود تونس بعد عقد من الزمن لتصحح الصورة، فكيف لنا أن نفسر ما حدث على مدى عشر سنوات عاصفة، وكيف لنا أن نتوقع ما سيحدث في ضوء بصيص الأمل الذي لاح لإعادة عربات القطار إلى المسار الصحيح بعد أن سقطت الأقنعة وانكشفت النوايا؟صحيح أن أحداً لم يتوقع أن تجري الأحداث على النحو الذي جرت عليه منذ ذلك التاريخ، وصحيح أن أكثر الناس قدرة على التوقع لم يتصور أن تتهاوى بعض الأنظمة العربية وتتداعى بهذه السهولة مثل أحجار الدومينو.

ربما كان وراء ما حدث نيات طيبة أخرجت غالبية الناس إلى الشوارع لتصحيح الأوضاع التي كانت تسير نحو الانحدار، لكن الحقيقة أن هناك أصحاب نيات خبيثة استغلوا ما حدث لتحقيق أجندات خفية وقفزوا إلى السلطة.

لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً، إذ سرعان ما انكشف المشهد عن جماعة كانت تختبئ في الحقول المجاورة بانتظار اللحظة المناسبة لجني الثمرة، وكانت الثمرة هذه المرة أكبر مما تصورت الجماعة، إلى درجة أنها أطارت عقول قادتها، وأفقدتها الحذر الذي تحلت به طوال عقود من الزمن.

ربما لم تكن فكرة الوصول إلى سدة الحكم في البداية واردة في أذهان قادة الإخوان، بدليل أنهم نفوا نيتهم الترشح للرئاسة، لكن بريق السلطة كان أكبر من أن تقاومه نفوس قادة كانوا يخطون نحو سنوات أعمارهم الأخيرة، لذلك وجدوها مناسبة لاقتناص الفرصة التي لاحت لهم على غير توقع.

سال لعاب قادة الجماعة في مصر، وسعوا إلى انتزاع ورقة الفوز بأي ثمن، فجاء فوز مرشحهم بالرئاسة بقوة الذراع، كما يقال، ولم يكن مقنعاً بما فيه الكفاية، لكن الجميع أصبحوا أمام واقع لا يمكن إلا أن يتعاملوا معه.

وكان أن تصرف قادة الجماعة الذين وصلوا إلى سدة الحكم بغباء أفقدهم استعداد الآخرين للتعامل معهم، وكان بإمكانهم أن ينجحوا لو أنهم تصرفوا بذكاء فلم يتغولوا. لهذا كان سقوطهم مدوياً، وكانت نهايتهم أسرع مما توقع الكثيرون.

هل كان أتباع الجماعة في تونس أكثر ذكاء من مكتب مرشدها في مصر، وهل كان تخطيطهم أفضل؟ هذا ما يظنه البعض، بدليل أنهم بقوا صامدين طوال أكثر من عشر سنين، يتلونون، يحنون رؤوسهم عندما تهب العواصف، ثم تشرئب أعناقهم عندما تصفو الأجواء وتكون مهيأة للكشف عن الرؤوس والوجوه.

لكن غلطة الشاطر بألف، مثلما يقول المثل، وقد كثرت غلطاتهم خلال هذه السنوات العشر، خاصة بعد أن تولى الرئيس قيس سعيد سدة الرئاسة في تونس، فتصوروا أنه سيكون أضعف من أن يتصدى لجبروتهم وسلطانهم، لكنه قلب الطاولة فوق رؤوسهم، واتخذ قراراً بتعديل المسار وهو مجرد من الأسلحة التي يملكونها، عدا سلاح السلطات التي يخوله إياها الدستور، والتأييد الشعبي الذي حظيت به قراراته الأخيرة.

ليس خافياً على أحد أن أتباع الجماعة في تونس، ممثلين في حركة النهضة، قد تخلوا عن ذكائهم، إذا كان صحيحاً أنهم أذكياء، أو أن ذكاءهم قد خانهم فظهرت رائحة فسادهم الذي تمثل في أكثر من مظهر، خاصة وأنهم يسيطرون على المجلس النيابي فارضين إرادتهم من خلاله، مقدمين الدعم والحماية والغطاء للمتشددين والإرهابيين والفاسدين مالياً، حتى أدخلوا البلاد في حالة انسداد وركود سياسي لا مثيل لهما.

ربما بدا الرئيس قيس سعيّد في البداية وحيداً أمام تيار الجماعة والفساد الذي تمارسه هي وحلفاؤها، اللهم إلا من مساندة شعبية بلغت نسبتها 87% وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة «إمرود كونسلتينغ» المتخصصة في سبر الآراء، لكن هذه المساندة الشعبية كفيلة بشد عضده لتعديل المسار وتصحيح الصورة، شريطة أن يتواصل الزخم الذي بدأ به، وأن تكون قراراته سريعة وحاسمة.

بقي أن نقول إن هناك بواكي على الحقوق والحريات المنتهكة في تونس كما يزعمون. هذا هو ما تفعله القنوات التي حشدت طواقمها للغمز واللمز، ودفعت ضيوفها المنتخبين من قادة الجماعة وأنصارها إلى التصريح بأن هناك دولاً معينة وراء ما يحدث في تونس. هذه المناحات رأيناها عندما اعتصم قادة الجماعة وأعضاؤها في ميدان «رابعة العدوية» بمصر عام 2013. وهي حلقات معادة من مسلسل سخيف لم يعد يجتذب أحداً. وحدهم أعضاء الجماعة ومن يقف معهم هم الذين يشاهدونه وتسيل دموعهم تأثّراً به.

المصدر: البيان