علياء الهذلول
علياء الهذلول
تهتم و تعمل في مجال الطاقة المتجددة والبيئة في بروكسل/ بلجيكا. بالاضافة الى البيئة تهتم بالسلام بين الأديان و الثقافات و لن يكون ذلك مستحيلا إذا تحققت الإرادة و العدالة.

ثلج الصحراء

آراء

في الآونة الأخيرة في فرنسا، يتداول الإعلام إمكانية جر قطع الثلج الجليدية Iceberg من القارة القطبية لإمداد الدول الشحيحة بالماء العذب. ففي القطب الشمالي، تتكسر ما لا يقل عن 40 ألف قطعة ثلجية جليدية ويبلغ وزنها 180 الى 30 مليون طن.

ومنذ أكثر من نصف قرن، حاول المهندس البحري الفرنسي جورج موجان Georges Mougin البالغ من العمر حاليا 87 عاما، من الاستفادة من هذا المصدر المائي لري عطش الدول التي يندر فيها الماء. وتعاقد موجان مع الأمير محمد الفيصل في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات وأسسا شركة Iceberg Transport International لمحاولة إيجاد حلول لنقل قطع الثلج من القطب الجنوبي. دامت الشراكة ست سنوات، لكن الجهود المبذولة لم تعط نتائج ملموسة وقرر الأمير محمد الفيصل وضع نهاية لهذه الشركة.

بقي المشروع على حاله بسبب نقص الموارد المالية. وفي عام 2000 وجد جورج موجان من يتبنى فكرته. وبدأ بالعمل مع شركة 3DS والمتخصصة في تصميم برامج ثلاثية الأبعاد وشركة Mercator Océan والمتخصصة في رصد تغيرات تيارات المحيطات. الفكرة من هذه الشراكة عمل برنامج ثلاثي الأبعاد يوضح أن فكرة نقل قطع الثلج ممكنة فعليا. وفي تصريح لجورج موجان وضح ان ما يريد القيام به ليس جر قطع الثلج بل التأثير على مجرى التيار الذي ينقلها لتغيير مسارها.

وبالفعل استطاع جورج موجان اثبات “كمبيوتريا” إمكانية نقل قطع الثلج من القارة القطبية لجزر الكناري. وكي لا يذوب الثلج اثناء الرحلة. اقترح موجان ان يتم لف قماش geotextile بعمق 6 أمتر تحت الماء حول قطعة الثلج لمحاولة عزلها حراريا وتقليل ذوبانها. وبحسب برنامج المحاكاة فالرحلة تستغرق 141 يوما من القطب الشمالي نحو جزر الكناري.

ومن المتوقع أن يتم تحقيق هذا المشروع في ربيع 2013 إذ سيتم جر قطعة ثلجية جليدية بحجم سبع مليون طن من Newfoundland وهي جزيرة كندية بالقرب من الساحل الشرقي لكندا لسحبها إلى جزر الكناري. وقطعة الثلج التي ستصل إلى جزر الكناري ستساعد على إمداد الجزر بالماء العذب لمدة سنة كاملة.

هل هذا ممكن من الناحية القانونية؟ وماذا عن الأضرار البيئية؟

من الناحية التقنية، يبدو أن المشروع سيواجه تحديات كبيرة لكن من الممكن تجاوزها. وبحسب دراسات جورج موجان، فإن الطاقة اللازمة لتشغيل السفينة التي ستجر قطعة الثلج جدا معقولة. وإذا فرضنا أن قطعة الثلج لن تذوب بشكل تام أثناء الرحلة، يبقى هناك نقاط يجب التذكير بها.

ما يثير القلق هو الجزء البيئي من هذه التجربة. فهناك من يرى أن نقل جزء من قطع الثلج سيؤثر على المنظومة البيئية Ecosystem . فريق موجان يحاول أن يطمئن العامة من هذه الناحية بالتأكيد على أن قطع الثلج التي سيتم اختيارها يجب أن تكون مسطحة لسهولة نقلها ولكونها لا تحوي على فقمات البحر ولا على الدببة القطبية. لكن هناك احتمال أن يسبب وصول قطعة الثلج إلى الوجهة المقصودة إلى تكوين سحب ضبابية.

ومن الناحية القانونية، السؤال المتوقع طرحه في المستقبل: من يستطيع نقل وجر قطع الثلج. حسب مقال لقانوني فرنسي، هناك بعض السيناريوهات المتوقعة. أولا إذا كانت قطع الثلج متواجدة في إقليم المياه المحلية لدولة ما، فإن قطع الثلج الجليدية ستصبح من حق هذه الدولة ويجب أخذ موافقتها للانتفاع بقطع الثلج. لكن إذا تواجدت قطع الثلج الجليدية في المياه الدولية فهنا قد تحدث مشاكل قانونية. ويتوقع القانوني الفرنسي أن هذه القطع الثلجية ستصبح من حق الدولة التي تستطيع اثبات أنها “خصخصت المصدر طبيعي” كما فعلت كندا سابقا للاحتفاز بالمياه العذبة للاستخدام المحلي فقط. وإذا أصبحت تقنية جر القطع الثلجية قابلة للتحقيق بشكل تجاري موسع، فمن المتوقع أن يحصل توتر بين البلدان الواقعة في الشمال كالدنمارك وكندا وأمريكا.

وأخيرا، شح الماء أصبح من الأمور المقلقة في حاضرنا ومستقبلنا. مشروع كهذا يعكس مدى عبقرية الإنسان في البحث عن حلول. لكن هل ياترى سيتم تكوين قطع ثلجية جليدية دائما أم أن التغيرات المناخية ستحد من هذا المصدر الطبيعي أيضا. أعتقد أن لا أحد يستطيع الإجابة اليوم على هذا السؤال.

_____

قامت القناة الفرنسية الثالثة ببت تقرير تلفزيوني حول هذا المشروع ومقابلة مع فريق المهندس جورج موجان. التالي هو جزء من التقرير باللغة الفرنسية .

المصدر: صحيفة الشرق